للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يفهم من نحو (اتّخذت صديقا من دوني) الاستبدال. فذاك من قرينة خارجية. وإلا فالمثال لا يعينه. لجواز إرادة اتخاذه معه كما لا يخفي. فتبصر قالَ سُبْحانَكَ أي أنزهك تنزيها لائقا بك من أن يقال هذا وينطق به ما يَكُونُ لِي أي ما يتصور مني بعد إذ بعثتني لهداية الخلق أَنْ أَقُولَ أي في حق نفسي ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ أي ما استقر في قلوب العقلاء عدم استحقاقي له مما يضلهم إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ استئناف مقرر لعدم صدور القول المذكور عنه عليه السلام، بالطريق البرهانيّ. فإن صدوره عنه مستلزم لعلمه تعالى به قطعا. فحيث انتفى علمه تعالى به، انتفى صدره عنه حتما. ضرورة. أن عدم اللازم مستلزم لعدم الملزوم. قاله أبو السعود تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي استئناف جار مجرى التعليل لما قبله. كأنه قيل: لأنك تعلم ما أخفيه في نفسي. فكيف بما أعلنه؟ وقوله تعالى: وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ بيان للواقع، وإظهار لقصوره. أي ولا أعلم ما تخفيه من معلوماتك. أفاده أبو السعود إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ.

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة المائدة (٥) : آية ١١٧]]

ما قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (١١٧)

ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أي ما أمرتهم إلا بما أمرتني به. وإنما قيل: ما قُلْتُ لَهُمْ نزولا على قضية حسن الأدب، ومراعاة لما ورد في الاستفهام. وقوله تعالى: أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ تفسير للمأمور به وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ. أي: رقيبا أراعي أحوالهم وأحملهم على العمل بموجب أمرك، ويتأتى لي نهيهم عما أشاهده فيهم مما لا ينبغي فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي أي: بالرفع إلى السماء. كما في قوله تعالى: إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ [آل عمران: ٥٥] . والتوفي: أخذ الشيء وافيا. والموت نوع منه. قال تعالى: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها [الزمر: ٤٢] . وسبق في قوله تعالى: يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ في (آل عمران) زيادة إيضاح على ما هنا. فتذكر كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ أي: الناظر لأعمالهم. فمنعت من أردت عصمته من التفوّه بذلك. وخذلت من خذلت من الضالين، فقالوا ما قالوا: وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ اعتراض تذييليّ مقرر لما قبله.

وفيه إيذان بأنه تعالى كان هو الشهيد على الكل، حين كونه عليه السلام فيما بينهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>