للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن كثير: وهذا كائن لا محالة يوم القيامة، كما قال تعالى يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ [الحاقة: ١٨] . وقال تعالى: يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ [الطلاق: ٩] . وقال تعالى: وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ [العاديات: ١٠] . وقد يظهر الله تعالى ذلك للناس في الدنيا، كما

روى الإمام أحمد «١» عن أبي سعيد مرفوعا: لو أن أحدكم يعمل في صخرة صماء، ليس لها باب ولا كوّة، لأخرج الله عمله للناس كائنا من كان.

وروي أن أعمال الأحياء تعرض على الأموات من الأقرباء والعشائر في البرزخ- كما في مسند أحمد «٢» والطيالسي-.

وَسَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ أي بالموت فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أي بالمجازاة عليه.

قال أبو السعود: في وضع الظاهر موضع المضمر (أي حيث لم يقل: إليه) من تهويل الأمر، وتربية المهابة- ما لا يخفى. ووجه تقديم (الغيب) في الذكر لسعة عالمه، وزيادة خطره على الشهادة- غني عن البيان.

وعن ابن عباس: الغيب ما يسرونه من الأعمال، والشهادة ما يظهرونه. كقوله تعالى: يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ [البقرة: ٧٧] و [هود: ٥] و [النحل: ٢٣] ، فالتقدم حينئذ لتحقق أن نسبة علمه المحيط بالسر والعلن واحدة، على أبلغ وجه وآكده. أو للإيذان بأن رتبة السر متقدمة على رتبة العلن، إذ ما من شيء يعلن إلا وهو، أو مبادئه القريبة، أو البعيدة، مضمر قبل ذلك في القلب. فتعلق علمه تعالى به في حالته الأولى، متقدم على تعلقه به في حالته الثانية.

وقوله تعالى:

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة التوبة (٩) : آية ١٠٦]]

وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١٠٦)

وَآخَرُونَ يعني من المتخلفين مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ أي مؤخرون أمرهم انتظارا لحكمه تعالى فيهم، لتردّد حالهم بين أمرين إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ لتخلفهم عن غزوة تبوك وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ يتجاوز عنهم وَاللَّهُ عَلِيمٌ أي بأحوالهم حَكِيمٌ أي فيما يحكم عليهم.


(١) أخرجه الإمام أحمد في مسنده ٣/ ٢٨.
(٢) انظر الصفحة ٣/ ١٦٥ من المسند عن أنس.

<<  <  ج: ص:  >  >>