كمحبة الأزواج لمجرد الشهوة. ومحبة الفجار والفساق المتعاونين في اكتساب الشهوات واستلاب الأموال. والقسم الرابع هو المحبة العقلية المستندة إلى تسهيل أسباب المعاش، وتيسير المصالح الدنيوية. كمحبة التجار والصناع. ومحبة المحسن إليه للمحسن. فكل ما استند إلى غرض فان وسبب زائل، زال بزواله، وانقلب عند فقدانه عداوة. لتوقع كل من المتحابين ما اعتاد من صاحبه، من اللذة المعهودة والنفع المألوف. وامتناعه لزوال سببه. ولما كان الغالب على أهل العالم أحد القسمين الأخيرين، أطلق الكلام وقال: الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ لانقطاع أسباب الوصلة بينهم، وانتفاء الآلات البدنية عنهم، وامتناع حصول اللذة الحسية والنفع الجسماني وانقلابهما حسرات وآلاما وضررا وخسرانا.
قد زالت اللذات والشهوات، وبقيت العقوبات والتبعات. فكل يمقت صاحبه ويبغضه. لأنه يرى ما به من العذاب، منه وبسببه. ثم استثنى المتقين المتناولين للقسمين الباقيين لقتلهم، كما لقال وَقَلِيلٌ ما هُمْ [ص: ٢٤] ، وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ [سبأ: ١٣] ، ولعمري، إن القسم الأول أعز من الكبريت الأحمر.
وهم الكاملون في التقوى، البالغون إلى نهايتها، الفائزون بجميع مراتبها. ويليهم القسم الثاني. وكلا القسمين، لاشتراكهما في طلب مرضاة الله وطلب ثوابه واجتناب سخطه وعقابه، نسبهم سبحانه إلى نفسه بقوله:
يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (٦٨)
يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ أي لأمنهم من العذاب وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ أي على فوات لذات الدنيا. لكونهم على ألذّ منها وأبهج، وأحسن حالا وأجمل.
الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا أي صدقوا بكتاب الله ورسله، وعملوا بما جاءتهم به رسلهم وَكانُوا مُسْلِمِينَ أي أهل خضوع لله بقلوبهم، وقبول منهم لما جاءتهم به رسولهم عن ربهم، على دين إبراهيم عليه السلام، حنفاء، لا يهود ولا نصارى ولا أهل أوثان.