تضعفهم عن السير فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً أي لا يدوسون مكانا يَغِيظُ الْكُفَّارَ أي الذين هم أعداء الله. وإغضاب العدوّ يفيد رضا عدوّه وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا أي قتلا أو هزيمة أو أسرا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ أي على إحسانهم. وهو تعليل ل كُتِبَ، وتنبيه على أن تحمل المشاق إحسان، لأن القصد به إعلاء كلمة الله تعالى.
وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً أي لا يشق مثلها وَلا كَبِيرَةً مثل ما أنفق عثمان رضي الله عنه في غزوة تبوك، وهو ألف دينار وثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً في مسيرهم، وهو كل منفرج ينفذ فيه السيل. اسم فاعل من (ودى) إذا سال، فهو السيل نفسه، ثم شاع في محله، ثم صار حقيقة في مطلق الأرض، وجمعه (أودية) كناد، بمجلس، جمعه (أندية) ، وناج جمعه (أنجية) ولا رابع لها في كلام العرب إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ أي أثبت لهم به عمل صالح لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ أي ليجزيهم على كل عمل لهم، كامل أو قاصر، جزاء أحسن أعمالهم. أي فإذا مالوا بأنفسهم فاتهم ذلك، وكانت المؤاخذة عليهم أشد.
ولما بين تعالى، فيما تقدم، خطر التخلف عن الرسول في الجهاد، وشدّد الوعيد على المتخلفين التاركين للنفير، دفع ما يتوهم من وجوب النفر على الجميع، وفيه ما فيه من الحرج، والإخلال بأمر المعاش، بأن وجوبه كفائي، فقال سبحانه:
وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً أي ما صح لهم ذلك ولا استقام، بحيث تخلو بلدانهم عن الناس فَلَوْلا نَفَرَ أي فحين لم يمكن نفير الكافة، ولم يكن مصلحة، فهلا نفر مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ أي من كل جماعة كثيرة، جماعة قليلة