وقوله تعالى لِلطَّائِفِينَ أي حوله. وعن سعيد بن جبير: يعني من أتاه من غربة وَالْعاكِفِينَ يعني أهله المقيمين فيه أو المعتكفين. كما روى ابن أبي حاتم بسنده إلى ثابت قال: قلنا لعبد الله بن عبيد بن عمير: ما أراني إلا مكلّم الأمير: أن امنع الذين ينامون في المسجد الحرام، فإنهم يجنبون ويحدثون. قال: لا تفعل فإن ابن عمر سئل عنهم فقال: هم العاكفون. ورواه عبد بن حميد في مسنده. وقد ثبت في الصحيح «١» أن ابن عمر كان ينام في مسجد الرسول صلّى الله عليه وسلّم وهو عزب.
وفي الكشاف: يجوز أن يريد بالعاكفين الواقفين. يعني القائمين في الصلاة.
كما قال للطائفين والقائمين وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ جمع راكع وساجد والمعنى للطائفين والمصلين. لأن القيام والركوع والسجود هيآت المصلي. ولتقارب الأخيرين ذاتا وزمانا ترك العاطف بين موصوفيهما. وجمع صفتين جمع سلامة، وأخر بين جمع تكسير لأجل المقابلة. وهو نوع من الفصاحة. وأخّر صيغة «فعول» على «فعّل» لأنها فاصلة والمراد من الآية الرد على المشركين الذين كانوا يشركون بالله عند بيته المؤسس على عبادته وحده لا شريك له. ثم مع ذلك يصدون أهله المؤمنين عنه كما قال تعالى إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ ففي ذلك تبكيت لهم وتنبيه على توبيخهم بترك دينه
وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا أي الموضع الذي جعلت فيه بيتك وأمرتني بأن أسكنته من ذريتي بَلَداً أي يأنس من يحل به آمِناً أي من الخوف. أي لا يرعب أهله.. وقد أجاب الله دعاءه. كقوله تعالى: وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً [آل عمران: ٩٧] ، وقوله أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ، أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ [العنكبوت: ٦٧] ، إلى غير ذلك من الآيات.
(١) أخرجه البخاريّ في: التعبير، ٣٥- باب الأمن وذهاب الروع في المنام.