أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ إنكار، فيه تجهيل وتعجيب من تحكمهم فيما لا يتولّاه إلا هو تعالى. والمراد بالرحمة النبوّة نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا أي فجعلنا بعضهم غنيا وبعضهم فقيرا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ أي بالغنى فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ يعني الغني بَعْضاً يعني الفقير سُخْرِيًّا أي مسخرا في العمل، وما به قوام المعايش، والوصول إلى المنافع. لا لكمال في الموسّع عليه، ولا لنقص في المقتّر عليه بل لحاجة التضامّ والتآلف، التي بها ينتظم شملهم.
وأما النفحات الربانية، والعلوم اللدنية، فليست مما يستدعي سعة ويسارا. لأنها اختصاص إلهي، وفيض رحماني، يمنّ به على أنفس مستعدّيه، وأرواح قابليه.
و (السخريّ) بالضم منسوب إلى السخرة بوزن (غرفة) وهي الاستخدام والقهر على العمل. وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ يعني أن النبوّة خير مما يجمعون من الحطام الفاني. أي: والعظيم من أعطيها وحازها، وهو النبيّ صلّى الله عليه وسلّم. لا من حاز الكثير من الشهوات المحبوبة. ثم أشار تعالى إلى حقارة الدنيا عنده، بقوله:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٣٣ الى ٣٥]
وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً أي متفقة على الكفر بالله تعالى. أي لولا كراهة ذلك لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ أي لتكثير النعم عليه، مع كفره بالمنعم فيزداد عذابا لِبُيُوتِهِمْ بدل من لِمَنْ سُقُفاً بفتح السين وسكون القاف، وبضمهما، جمعا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ أي مصاعد من فضة عَلَيْها يَظْهَرُونَ أي يرتقون وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً أي من فضة وَسُرُراً أي من فضة عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ وَزُخْرُفاً أي: ولجعلنا لهم مع ذلك زخرفا، أي زينة من ذهب وجواهر فوق الفضة.
ثم أشار إلى أن لا دلالة في ذلك على فضيلتهم بقوله: وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا أي: وما كل هذه الأشياء التي ذكرت، من السقف من الفضة والمعارج والأبواب والسرر من الفضة، الزخرف، إلا متاع يستمتع به أهل الدنيا في الدنيا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ أي: وزين الدار الآخرة وبهاؤها عند ربك للمتقين، أي الذين اتقوا الله فخافوا عقابه. فجدّوا في طاعته وحذروا معاصيه خاصة دون غيرهم.
قال المهايمي: يعني لا خصوصية في ذاك المتاع، بحيث يدل عدمه على عدم