للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أقول: المنفيّ في الآية هو لحوق شيء من وبال الخائضين، وإثم كفرهم لمجالسيهم المتقين، فلا ينافي ذلك لحوق وبال المجالسة على انفرادها، وهو ما أفادته آية النساء. فالمثلية إذن في مطلق الإثم، وإن تباين (ما صدقه) فيهما، إذ لا قائل بأن مطلق مجالستهم ردة وكفر. نعم! لو قيل بأن المثلية محمولة على ما إذا حصل الرضا بشأن مجالستهم، فلا إشكال إذن. وبالجملة فاستدلال (الإكليل) واه، ولذا عبر ب (قد) ، ودعوى النسخ أوهى. فتأمل!

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الأنعام (٦) : آية ٧٠]]

وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (٧٠)

وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ أي: الذي كلفوه ودعوا إليه، وهو دين الإسلام، لَعِباً وَلَهْواً حيث سخروا به واستهزءوا وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا حيث اطمأنوا بها، وزعموا أن لا حياة بعدها أبدا، وأن السعادة في لذاتها. أي: أعرض عنهم، ودعهم، ولا تبال بتكذيبهم، وأمهلهم قليلا، فإنهم صائرون إلى عذاب عظيم.

وَذَكِّرْ بِهِ أي: ذكر الناس بهذا القرآن أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ أي: مخافة أن تسلم إلى الهلاك، وترتهن بسوء كسبها. وغرورها بإنكار الآخرة. يقال: أبسله لكذا:

عرضه ورهنه، أو أسلمه للهلكة. لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ ينصرها بالقوة وَلا شَفِيعٌ يدفع عنها بالمسألة.

وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها أي: وإن تفد كل نوع من أنواع الفداء، بما يقابل العذاب، لا يقبل منها، لبعدهم عن مقام الفداء. والعدل: الفدية، لأن الفادي يعدل المفدى بمثله.

أُولئِكَ إشارة إلى المتخذين دينهم لعبا ولهوا الَّذِينَ أُبْسِلُوا أي: سلموا للهلاك، بحيث لا يعارضه شيء، بِما كَسَبُوا بهذا الاغترار من إنكار الآخرة معها، والانهماك في الشهوات المحرمة، لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ أي: ماء مغليّ يتجرجر في بطونهم، وتتقطع به أمعاؤهم، وَعَذابٌ أَلِيمٌ أي: بنار تشتعل بأبدانهم، بِما كانُوا يَكْفُرُونَ أي: بسبب كفرهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>