ومنهم شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية، عليه الرحمة، قال في:(تفسير سورة الإخلاص) بعد أن ذكر نزاع المتكلمين المتفلسفة في الملائكة. هل هي متحيزة أم لا؟ وكذلك نزاعهم في روح الإنسان التي تفارقه بالموت، على قول الجمهور الذين يقولون: هي عين قائمة بنفسها ليست عرضا من أعراض البدن كالحياة وغيرها. ولا جزءا من أجزاء البدن كالهواء الخارج منه. فإن كثيرا من المتكلمين زعموا أنها عرض قائم بالبدن، أو جزء من أجزاء البدن. لكن هذا مخالف للكتاب والسنة وإجماع السلف والخلف. ولقول جماهير العقلاء من جميع الأمم.
ومخالف للأدلة، وهذا مما استطال به الفلاسفة على كثير من أهل الكلام.
قال القاضي أبو بكر: أكثر المتكلمين على أن الروح عرض من الأعراض.
وبهذا نقول: إذا لم يعن بالروح النفس، فإنه قال: الروح الكائن في الجسد ضربان:
أحدهما الحياة القائمة به والآخر النفس. والنفس ريح ينبثّ به، والمراد بالنفس، ما يخرج بنفس التنفس من أجزاء الهواء المتحلل من المسامّ. وهذا قول الإسفرائينيّ وغيره. وقال ابن فورك: هو ما يجري في تجاويف الأعضاء. وأبو المعالي خالف هؤلاء وأحسن في مخالفتهم فقال: إن الروح أجسام لطيفة مشابكة للأجسام المحسوسة.
أجرى الله العادة بحياة الأجساد ما استمرت مشابكتها لها. فإذا فارقتها تعقب الموت الحياة في استمرار العادة. ومذهب الصحابة والتابعين لهم بإحسان وسائر سلف الأمة وأئمة السنة، وأن الروح عين قائمة بنفسها. تفارق البدن وتنعم، وتعذب. ليست هي البدن، ولا جزءا من أجزاءه كالنفس المذكور.
ثم الذين قالوا: إنها عين، تنازعوا: هل هي جسم متحيز؟ على قولين:
كتنازعهم في الملائكة. فالمتكلمون منهم يقولون: جسم. والمتفلسفة يقولون:
جوهر عقليّ ليس بجسم. وأصل تسميتهم المجردات والمفارقات، هو مأخوذ من نفس الإنسان. فإنها لما كانت تفارق بدنه بالموت، وتتجرد عنه، سموها مفارقة مجردة. ثم أثبتوا ما أثبتوه من العقول والنفوس وسموها. مفارقات ومجردات.
لمفارقتها المادة التي هي عندهم الجسم. وهذه المفارقات عندهم ما لا يكون جسما ولا قائما بجسم. لكن النفس متعلقة بالجسم تعلق التدبير. والعقل لا تعلق له بالأجسام أصلا. ولا ريب أن جماهير العقلاء على إثبات الفرق بين البدن والروح التي تفارق.