بدت مثل قرن الشّمس في رونق الضّحى ... وصورتها. أو أنت في العين أملح
وكذا قال في قوله تعالى وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ وعلى الوجه الأول، فالمقصود من هذا الاستفهام الإنكار وإعظام ما يقدمون عليه، لأن مثل ذلك، إذا قيل بهذا اللفظ كان أبلغ في التنكير والتبكيت. ودل بقوله أَوَكُلَّما عاهَدُوا على عهد بعد عهد نقضوه ونبذوه. بل يدل على أن ذلك كالعادة فيهم. فكأنه تعالى أراد تسلية الرسول عند كفرهم بما أنزل عليه من الآيات، بأن ذلك ليس ببدع منهم بل هو سجيتهم وعادتهم وعادة سلفهم. على ما بيّنه في الآيات المتقدمة من نقضهم العهود والمواثيق حالا بعد حال. لأن من يعتاد منه هذه الطريقة لا يصعب على النفس مخالفته، كصعوبة من لم تجر عادته بذلك.
قال العلامة: واليهود موسومون بالغدر ونقض العهود، وكم أخذ الله الميثاق منهم، ومن آبائهم، فنقضوا، وكم عاهدهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلم يفوا الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ [الأنفال: ٥٦] ، والنبذ الرمي بالذمام، ورفضه. وإسناده إلى فريق منهم، لأن منهم من لم ينبذه. وفي قوله بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ دفع لما يتوهم من أن النابذين هم الأقلون. قوله تعالى:
وَلَمَّا جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ كِتابَ اللَّهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ تصريح بما طوى قبل. فإن نبذهم العهود التي تقدم الله إليهم في التمسك بها والقيام بحقها، أعقبهم التكذيب بالرسول المبعوث إليهم وإلى الناس كافة، الذي في كتبهم نعته، كما قال تعالى: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ [الأعراف: ١٥٧] الآية، فتنكير رسول للتفخيم. والجار بعده متعلق بجاء، أو بمحذوف وقع صفة لرسول، لإفادة مزيد تعظيمه بتأكيد ما أفاده التنكير من الفخامة الذاتية بالفخامة الإضافية وقوله كِتابَ اللَّهِ يعني التوراة، لأنهم بكفرهم برسول الله، المصدق لما معهم، كافرون بها، نابذون لها. وقيل كِتابَ اللَّهِ القرآن نبذوه