فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا أي ضحكا قليلا، أو زمانا قليلا، غايته مدة حياتهم وَلْيَبْكُوا كَثِيراً أي بكاء، أو زمانا كثيرا، بعد الموت، أبد الآباد جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ أي بفرحهم بمخالفة الله ورسوله، من الكفر والمعاصي العظائم.
[لطائف:]
الأولى- سرّ إخراج حالهم الدنيوي والأخروي على صيغة الأمر، الدالة على تحتم وقوع المخبر به، فإن أمر الآمر المطاع مما لا يكاد يتخلف عنه المأمور به. فإن قيل: إنهم ذكروا أنه يعبر عن الأمر بالخبر للمبالغة، لاقتضائه تحقق المأمور به، فالخبر آكد، فما باله عكس هنا؟ فالجواب: لا منافاة بينهما، لأن لكل مقام مقالا، والنكت لا تتزاحم، فإذا عبر عن الأمر بالخبر، لإفادة أن المأمور، لشدة امتثاله، كأنه وقع منه ذلك، وتحقق قبل الأمر- كان أبلغ. وإذا عبر عن الخبر بالأمر كأنه لإفادة لزومه ووجوبه، فكأنه مأمور به- أفاد ذلك مبالغة من جهة أخرى.
الثانية- الجمع بين صيغتي الماضي والمستقبل في قوله: بِما كانُوا يَكْسِبُونَ دلالة على الاستمرار التجددي ما داموا في الدنيا.
الثالثة- (جزاء) مفعول له للفعل الثاني. أي ليبكوا جزاء. أو مصدر حذف ناصبه. أي يجزون بما ذكر من البكاء الكثير جزاء.
فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ أي ردّك من غزوة تبوك إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ أي من المنافقين المتخلفين في المدينة فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ معك إلى غزوة أخرى بعد تبوك، دفعا للعار السابق فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا، إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ أي فخذلكم الله، وسقطتم عن نظره، بل غضب عليكم، وألزمكم العار فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ أي من النساء والصبيان دائما.