للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن الكافرين هم الذين يذهب حرثهم بالكلية. يعني أنه شبه أعمال الكفار التي يظنونها نافعة، ومآلها الخيبة، برؤية الكافر الشديد العطش في المحشر، سرابا يحسبه شرابا، فينتظم عطف (وجد الله) أحسن انتظام كما نوّروه. كذا في (الكشف) الثالثة- قال الشهاب: وهذا تشبيه بليغ وقع مثله في قوله مالك بن نويرة:

لعمري إني وابن جارود كالّذي ... أراق شعيب الماء والآل يبرق

فلما أتاه، خيّب الله سعيه ... فأمسى يغضّ الطرف عيمان يشهق

ثم أشار تعالى إلى تمثيلهم بنوع آخر، بقوله:

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النور (٢٤) : آية ٤٠]]

أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ (٤٠)

أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ أي عميق كثير الماء يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ أي متراكم بعضه على بعض مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ أي متكاثفة متراكمة. وهذا بيان لكمال شدة الظلمات إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ أي وجعلها بمرأى منه، قريبة من عينه لينظر إليها لَمْ يَكَدْ يَراها وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ أي:

ومن لم يشأ الله أن يهديه لنوره الذي هو القرآن، فما له هداية ما. وهذا في مقابلة قوله تعالى في مثل المؤمنين يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ والجملة تقرير للتمثيل قبل، وتحقيق أن ذلك لعدم هدايته تعالى إياهم، إذ لم يجاهدوا لنيل ذلك، قال تعالى: وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا [العنكبوت: ٦٩] .

[لطيفة:]

قال ابن كثير: هذان المثلان ضربهما الله تعالى لنوعي الكفار. كما ضرب للمنافقين في أول البقرة مثلين: ناريّا ومائيا. وكما ضرب لما يقرّ في القلوب من الهدى والعلم، في سورة الرعد، مثلين مائيّا وناريّا.

ثم قال: أما الأول فهو للكفار الدعاة إلى كفرهم أصحاب الجهل المركب الذين يحسبون أنهم على شيء. فمثلهم كالسراب. والثاني لأصحاب الجهل البسيط وهم المقلدون لأئمة الكفر الصم البكم، الذين لا يعقلون. فلا يعرف أحدهم حال من يقوده ولا يدري أين يذهب. بل كما يقال في المثل للجاهل (أين تذهب؟ قال:

<<  <  ج: ص:  >  >>