وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (٢١)
وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا أي ادعوا السماع وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ أي سماع تدبر واتعاظ، وهم المنافقون أو المشركون. فالمنفيّ سماع خاص، لكنه أتى به مطلقا للإشارة إلى أنهم نزّلوا منزلة من لم يسمع أصلا، بجعل سماعهم بمنزلة العدم. وقيل: السماع مجاز عن التصديق.
قال الزمخشري: والمعنى أنكم تصدقون بالقرآن والنبوة، فإذا توليتم عن طاعة الرسول في بعض الأمور، من قسمة الغنائم وغيرها، كان تصديقكم كلا تصديق، وأشبه سماعكم سماع من لا يؤمن.
ثم بيّن تعالى سوء حال المشبه بهم، مبالغة في التحذير، وتقريرا للنهي، بقوله:
إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ أي ما يدبّ على الأرض، أو شر البهائم عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ أي عن سماع الحق الْبُكْمُ أي عن النطق به الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ أي لا يفهمونه.
جعلهم تعالى من جنس البهائم، لصرفهم جوارحهم عما خلقت له، ثم جعلهم شرّها لأنهم عاندوا بعد الفهم، وكابروا بعد العقل، وفي ذكرهم في معرض التشبيه، بهذا الأسلوب، غاية في الذم. وقد كثر، في التنزيل، تشبيه الكافرين بنحو هذا، كقوله تعالى: وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً [البقرة: ١٧١] ، وقال تعالى: أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ [الأعراف: ١٧٩] .