للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بنفسه وبأحواله، وعدم النظر فيها والتفكر، أبشع من جهله بالأمور الخارجة عنه، كالنجوم والأفلاك، ومقادير سيرها وتقلبها. فلما كان الفقه أدنى درجات العلم، إذ هو عبارة عن الفهم، نفي من أبشع القبيلين جهلا، وهم الذين لا يتبصرون في أنفسهم، ونفي الأدنى أبشع من نفي الأعلى درجة، فخص به أسوأ الفريقين حالا.

و (يفقهون) هاهنا مضارع فقه الشيء- بكسر القاف- إذا فهمه، ولو أدنى فهم.

وليس من (فقه) بضم القاف، لأن تلك درجة عالية، ومعناه صار فقيها- قاله الهروي في معرض الاستدلال على أن (فقه) أنزل من (علم) -. وفي حديث سلمان أنه قال، وقد سألته امرأة جاءته: فقهت أي: فهمت، كالمتعجب من فهم المرأة عنه.

وإذا قيل: فلان لا يفقه شيئا كان أذمّ في العرف من قول: فلان لا يعلم شيئا. وكأن معنى قولك: (لا يفقه شيئا) ليست له أهلية الفهم وإن فهّم. وأما قولك (لا يعلم شيئا) فغايته نفي حصول العلم له، وقد يكون له أهلية الفهم والعلم، لو يعلّم.

والذي يدل على أن التارك للفكرة في نفسه أجهل وأسوأ حالا من التارك للفكرة في غيره قوله تعالى: وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ فخص التبصر في النفس بعد اندراجها فيما في الأرض من الآيات، وأنكر على من لا يتبصر في نفسه إنكارا مستأنفا. وقولنا، في أدراج الكلام: (إنه نفي العلم عن أحد الفريقين، ونفي الفقه عن الآخر) يعني: بطريق التعريض، حيث خص العلم بالآيات المفصلة، والتفقه فيها بقوم. فأشعر أن قوما غيرهم لا علم عندهم، ولا فقه- والله الموفق- فتأمل هذا الفصل، وإن طال بعض الطول، فالنظر في الحسن غير مملول.

انتهى. وهذا من دقة النظر في الكتاب العزيز، وإبراز محاسنه ولطائفه.

ثم بين تعالى حجة كبرى على كمال قدرته، ومنة أخرى من جسيم نعمته بقوله:

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الأنعام (٦) : آية ٩٩]]

وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٩٩)

وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً أي: من السحاب، لقوله تعالى: أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ [الواقعة: ٦٨- ٦٩] .

<<  <  ج: ص:  >  >>