وما أشبه هذه الآيات بقوله تعالى في (سورة محمد) وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ. أي: تأمرنا بالجهاد، فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ ... إلى قوله تعالى: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغانَهُمْ [محمد: ٢٠- ٢٩] وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ أي الجهاد في سبيلك لَوْلا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ أي: هلا عافيتنا وتركتنا حتى نموت بآجالنا قُلْ أي: تزهيدا لهم فيما يؤملونه بالقعود من المتاع الفاني، وترغيبا فيما ينالونه بالجهاد من النعيم الباقي مَتاعُ الدُّنْيا أي ما يتمتع وينتفع به في الدنيا قَلِيلٌ سريع التقضي، وشيك الانصرام. وإن أخرتم إلى ذلك الأجل وَالْآخِرَةُ أي: ثوابها الذي من جملته الثواب المنوط بالجهاد خَيْرٌ أي: لكم من ذلك المتاع الفاني، لكثرته وعدم انقطاعه، وصفائه عن الكدورات.
وإنما قيل لِمَنِ اتَّقى حثّا لهم على اتقاء العصيان والإخلال بموجب التكليف.
وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا عطف على مقدر. ينسحب عليه الكلام. أي: تجزون فيها ولا تنقصون أدنى شيء من أجور أعمالكم، التي من جملتها مسعاكم في شأن القتال.
فلا ترغبوا عنه. (والفتيل) ما في شق النواة من الخيط. يضرب به المثل في القلة والحقارة. وقرئ (يظلمون) بالياء، إعادة للضمير إلى ظاهر (من) . أفاده أبو السعود.
روى ابن أبي حاتم قال: قرأ الحسن: قل متاع الدنيا قليل. قال: رحم الله عبدا صحبها على حسب ذلك. وما الدنيا كلها، أولها وآخرها، إلا كرجل نام نومة فرأى في منامه بعض ما يحب ثم انتبه. وقال ابن معين: كان أبو مصهر ينشد:
ولا خير في الدنيا لمن لم يكن له ... من الله في دار المقام نصيب
فإن تعجب الدنيا رجالا فإنها ... متاع قليل والزوال قريب
ثم بين تعالى أنه لا ينفعهم الفرار من الموت. لأنه لا خلاص لهم منه، بقوله:
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٧٨]]