قال بعض مفسري الزيدية: لهذه الآية ثمرات. هي أحكام: الأول- وجوب العدل على القضاة والولاة. وأن لا يعدل عن القسط لأمر تميل إليه النفوس وشهوات القلوب من غنى أو فقر أو قرابة. بل يستوي عنده الدنيء والشريف والقريب والبعيد. ويروى أن عمر أقام حدّا على ولد له. فذاكره في حق القرابة. فقال: إذا كان يوم القيامة شهدت عند الله أن أباك كان يقيم عليك الحدود. الحكم الثاني- أنه يجب الإقرار على من عليه الحق ولا يكتمه. لقوله تعالى: وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ والمراد بالشهادة على النفس الإقرار. وهذا ظاهر. وقيل المعنى: ولو كانت الشهادة وبالا ومضرة على أنفسكم وآبائكم. بأن تكون الشهادة على سلطان ظالم. وهذه المسألة فيها خلاف بين الفقهاء إذا خشي مضرة دون القتل، هل يجب عليه الشهادة أم لا؟ فقيل: يجب لأنه لا يحفظ ماله بتلف مال غيره. وعن الشافعية والمتكلمين، وصحح للمذهب، أنه لا يجب. لأن الشهادة أمر بمعروف، وشرطه أن لا يؤدي إلى منكر. ولكن إنما يسقط عنه أداء الشهادة بحصول الظن لمضرته، لا بمجرد الخشية. وقد قال المؤيد بالله في (الإفادة) : على الشاهد أن يشهد وإن خشي على نفسه وماله. لأن الذي يخشاه مظنون. ولعله غير كائن. يؤول على أن مراده مجوّز لا أنه قد ظن حصول المضرة. وهذا يجوز له الشهادة مع الخشية على نفسه، قال في (شرح الإبانة) :
يجوز إذا كان قتله إعزازا للدين. كالنهي عن المنكر. أمّا لو كتم لغير عذر فلا إشكال في عصيانه. وعن ابن عباس: ذلك من الكبائر. الحكم الثالث- يتعلق بقوله تعالى شُهَداءَ لِلَّهِ أي: تشهدون لوجه الله كما أمركم. وفي هذا دلالة على أن أخذ الأجرة على تأدية الشهادة لا يجوز. لأنه لم يقمها لله. وقد استثنى أهل الفقه صورا جوّزوا أخذ الأجرة على تأدية الشهادة. منها: إذا طلب إلى موضع. لأن الخروج غير واجب عليه. ومنها: إذا كان غيره يشهد ويحصل به الحق، فإن شهادته غير لازمة. انتهى.
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ١٣٦]]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا أي: اثبتوا على إيمانكم بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ محمد صلى الله عليه وسلم. يعني القرآن وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ على