لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ (٢٣)
لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ أي هو الحاكم الذي لا معقب لحكمه، ولا يعترض عليه أحد لعظمته وجلاله وكبريائه وعلوه وحكمته وعدله ولطفه وَهُمْ يُسْئَلُونَ الضمير للعباد. أي يسئلون عما يفعلون كقوله: فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ [الحجر: ٩٢- ٩٣] .
قال الزمخشريّ: إذا كانت عادة الملوك والجبابرة أن لا يسألهم من في مملكتهم عن أفعالهم وعما يوردون ويصدرون من تدبير ملكهم، تهيبا وإجلالا، مع جواز الخطأ والزلل وأنواع الفساد عليهم، كان ملك الملوك ورب الأرباب خالقهم ورازقهم، أولى بأن لا يسأل عن أفعاله، مع ما علم واستقر في العقول من أن ما يفعله كله مفعول بحكمة، ولا يجوز عليه خطأ، ثم قال وَهُمْ يُسْئَلُونَ أي هم مملوكون مستعبدون خطاءون. فما أخلقهم بأن يقال لهم: لم فعلتم؟ في كل شيء فعلوه. انتهى.
قال ابن كثير: وهذه الآية كقوله تعالى: وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجارُ عَلَيْهِ [المؤمنون: ٨٨] .
[تنبيه:]
قال الإمام الغزاليّ في (المضنون به على غير أهله) : وأما معنى قول الله تعالى لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ، وقوله تعالى: لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً [طه: ١٢٥] ، فالسؤال قد يطلق ويراد به الإلزام. يقال: ناظر فلان فلانا وتوجه عليه سؤاله. وقد يطلق ويراد به الاستخبار، كما يسأل التلميذ أستاذه. والله تعالى لا يتوجه عليه السؤال بمعنى الإلزام. وهو المعنيّ بقوله لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ إذ لا يقال (لم) قول إلزام. فأما أن لا يستخبر ولا يستفهم، فليس كذلك. وهو المراد بقوله: لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى. وقوله تعالى: