إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ أي بإمهالهم متمتعين بشهواتهم، ولا يعجل عقوبتهم لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ أي ترتفع فيه أبصار أهل الموقف، لهول ما يرون. فلا تقرّ أعينهم في أماكنها ولا تطرف.
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة إبراهيم (١٤) : آية ٤٣]]
مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ (٤٣)
مُهْطِعِينَ أي مسرعين إلى الداعي الذي يدعوهم إلى المحشر. وهذا بيان لكيفية قيامهم من قبورهم، وعجلتهم إلى المحشر كقوله تعالى: مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ [القمر: ٨] ، وقوله: يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً [المعارج: ٤٣] .
مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ أي رافعيها إلى السماء لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ أي لا يطرفون. ولكن عيونهم مفتوحة ممدودة من غير تحريك للأجفان وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ أي لا قوة فيها ولا ثبات، لشدة الفزع.
قال الزمخشري: الهواء الخلاء الذي لم تشغله الأجرام، فوصف به. فقيل: قلب فلان هواء، إذا كان جبانا لا قوة في قلبه ولا جراءة. ويقال للأحمق أيضا: قلبه هواء.
والمعنى: أن القلوب يومئذ زائلة عن أماكنها. والأبصار شاخصة. والرؤوس مرفوعة إلى السماء من هول ذلك اليوم وشدته وخوف ما يقع فيه.
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة إبراهيم (١٤) : آية ٤٤]]
وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ (٤٤)
قوله: وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ يعني يوم القيامة فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنا أَخِّرْنا أي ردّنا إلى الدنيا وأمهلنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ أي أمد من الزمان قريب نُجِبْ دَعْوَتَكَ أي إلى الإقرار بتوحيدك وأسمائك الحسنى. وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أي فيما دعونا إليه من الشرائع.
أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ على إضمار القول. أي فيقال لهم توبيخا وتبكيتا-:
أو لم تكونوا تحلفون مِنْ قَبْلُ يعني في الدنيا ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ أي من دار الدنيا إلى دار أخرى للجزاء. كقوله تعالى: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ [النحل: ٣٨] .