للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الأنعام (٦) : آية ١٤٩]]

قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ (١٤٩)

قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ البينة الواضحة التي بلغت غاية المتانة والقوة على الإثبات. ومنه: (أيمان بالغة) أي: مؤكدة. أو (البالغة) التي بلغ بها صاحبها صحة دعواه فهي (كعيشة راضية) . فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ أي: ولكنه لم يشأ ذلك.

بل شاء هداية بعض صرفوا اختيارهم إلى سلوك طريق الحقّ. وضلال آخرين صرفوا كسبهم إلى خلاف ذلك، من غير صارف يلويهم ولا عاطف يثنيهم، فوقع ذلك على الوجه الذي شاءه.

قال الإمام أبو منصور الماتريدي في (تأويلاته) : قيل: الآية في مشركي العرب. قالوا ذلك حين لزمتهم المناقضة وانقطع حجاجهم في تحريم ما حرّموا من الأشياء. وأضافوا ذلك إلى الله، وهو صلة قوله ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ- إلى قوله- أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهذا [الأنعام: ١٤٣- ١٤٤] . فلما لزمتهم المناقضة وانقطع حجاجهم فزعوا إلى هذا القول لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا.. [الأنعام: ١٤٨] .

انتهى.

والقصد: الاعتذار عن كل ما يقدمون عليه من الإشراك وتحريم الحلال. أي:

ولكنه لم يشأ الترك وشاء الفعل، ففعلنا طوع مشيئته، وهو لا يشاء إلا الحق، لأنه قادر. فلو لم يكن حقّا يرضاه لمنعنا منه. وهو لم يمنعنا منه فهو حقّ. وفي حكاية هذه المناظرة والمجادلة بيان لنوع من كفرهم شنيع جدّا..!

[تنبيه:]

هذه الآية تكرر نظيرها في التنزيل الكريم في عدة سور، وهي من الآيات الجديرة بالتدبر لتمحيص الحق في المراد منها.

فقد زعم المعتزلة أن فيها دلالة واضحة لمذهبهم من أن الله لا يشاء المعاصي والكفر، كما تبجّح بذلك منهم الطبرسي الشيعي في (تفسيره) وقال: إن فيها تكذيبا ظاهرا لمن أضاف مشيئة ذلك إلى الله سبحانه وكذا الزمخشري في (تفسيره) .

ومعلوم أنّ عقيدة الفرقة الناجية، الإيمان بأن: ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وأنه ما في السموات والأرض من حركة ولا سكون إلّا بمشيئة الله سبحانه، لا

<<  <  ج: ص:  >  >>