فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ أي فإما تصادفنهم وتظفرنّ بهم فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ أي فرّق بهم من وراءهم من المحاربين يعني: بأن تفعل بهم من النكال وتغليظ العقوبة، ما يشرّد غيرهم خوفا، فيصيروا لهم عبرة. كما قال: لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ أي لعل المشرّدين يتعظون بما شاهدوا ما نزل بالناقضين، فيرتدعوا عن النقض أو عن الكفر. قال في (التاج) : وقيل: معنى فَشَرِّدْ بِهِمْ فسمّع بهم، وقيل: فزّع بهم، ولا يخفى أن هذه المعاني متقاربة. وأصل التشريد الطرد والتفريق.
ويقال. شرد به تشريدا، سمّع الناس بعيوبه. قال:
أطوّف بالأباطح كلّ يوم ... مخافة أن يشرّد بي حكيم
معناه أنّ يسمّع بي و (حكيم) رجل من بني سليم كانت قريش ولّته الأخذ على أيدي السفهاء.
وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً بيان لأحكام المشرفين إلى نقض العهد، إثر بيان الناقضين له بالفعل. و (الخوف) مستعار للعلم. أي: وإما تعلمن من قوم من المعاهدين نقض عهد فيما سيأتي، بما لاح لك منهم من دلائل الغدر، ومخايل الشرّ فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ أي فاطرح إليهم عهدهم عَلى سَواءٍ أي على طريق مستو قصد، بأن تظهر لهم النقض، وتخبرهم إخبارا مكشوفا بأنك قد قطعت ما بينك وبينهم من الوصلة، ولا تناجزهم الحرب وهم على توهم بقاء العهد، كي لا يكون من قبلك شائبة خيانة أصلا، وإن كانت في مقابلة خيانتهم.