يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ أي خمر، أطلقت عليها للمجاورة كانَ مِزاجُها أي ما تمزج به كافُوراً قال ابن جرير: يعني في طيب رائحتها كالكافور. ولما كان الكافور من أطيابهم كان كناية عما يطيب به مما له عرف ذكي عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً أي يثيرونها من منابعها في روض الجنة، إثارة مبهجة، تفننا في النعيم. وعَيْناً منصوب بنحو (يؤتون) والباء في بِها بمعنى من. وقوله تعالى:
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الإنسان (٧٦) : آية ٧]]
يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً (٧)
يُوفُونَ بِالنَّذْرِ استئناف مسوق لبيان ما لأجله رزقوا ما ذكر من النعيم، مشتمل على نوع تفصيل لما ينبئ عنه اسم الأبرار إجمالا. كأنه قيل: ماذا يفعلون حتى ينالوا تلك الرتبة العالية؟ فقيل: يوفون بما أوجبوه على أنفسهم، فكيف بما أوجبه الله تعالى عليهم؟ وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ أي عذابه مُسْتَطِيراً منتشرا ظاهرا للغاية.
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الإنسان (٧٦) : آية ٨]]
وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (٨)
وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ أي مع حب الطعام، كقوله: حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران: ٩٢] ، أو على حب الله تعالى، لما سيأتي من قوله: لِوَجْهِ اللَّهِ [الإنسان: ٩] ، مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً أي مأسورا من حرب أو مصلحة.
وإنما اقتصر على الثلاثة لأنهم من أهم من تجدر الصدقة عليهم. فإن المسكين عاجز عن الاكتساب لما يكفيه. واليتيم مات من يعوله ويكتسب له، مع نهاية عجزه بصغره. والأسير لا يملك لنفسه نصرا ولا حيلة.
قال في (الإكليل) : والآية تدل على أن إطعام المشرك ما يتقرب به إلى الله تعالى، أي لقوله سبحانه:
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الإنسان (٧٦) : آية ٩]]
إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً (٩)
إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ أي قائلين ذلك بلسان الحال أو المقال، إزاحة لتوهم المنّ المبطل للصدقة وتوقع المكافأة. أي لا نقصد بإطعامكم إلا ثوابه تعالى والقربة إليه والزلفى عنده. وإطلاق (الوجه) على الذات مجاز مشهور لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً أي مكافأة وَلا شُكُوراً أي ثناء ومديحا.