للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال أبو السعود: كأنه نهي له، عليه الصلاة والسلام، عن المداراة معهم، والتلطف معهم. أي لأن في ذلك إضعافا للحق وتغشية عليه. وطول أمد في سريانه.

ولذا قال وَجاهِدْهُمْ بِهِ أي بالقرآن وما نزل إليك من الحق جِهاداً كَبِيراً أي لا يخالطه فتور، بأن تلزمهم بالحجج والآيات، وتدعوهم إلى النظر في سائر الآنات، لتتزلزل عقائدهم، وتسمج في أعينهم عوائدهم. وهذه الآية من أصرح الأدلة في وجوب مجادلة المبطلين، ودعوتهم إلى الحق بقوة، والتفنن في محاجتهم بأفانين الأدلة. فإن الحق يتضح بالأدلة. كما أن الشهور تشتهر بالأهلّة.

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الفرقان (٢٥) : آية ٥٣]]

وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً (٥٣)

وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ أرسلهما متجاورين متلاصقين، بحيث لا يتمازجان هذا عَذْبٌ فُراتٌ أي شديد العذوبة قامع للظمإ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ أي بليغ الملوحة وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً أي حاجزا لا يختلط أحدهما بالآخر وَحِجْراً مَحْجُوراً أي منعا من وصول أثر أحدهما إلى الآخر، وامتزاجه به، حتى بعد دخول أحدهما في الآخر مسافة.

[لطيفة:]

تلطف هنا المهايميّ في تأويل الآية، بمعنى يصلها بالآية قبلها، في أسلوب غريب. قال رحمه الله في قوله تعالى وَجاهِدْهُمْ بِهِ جِهاداً كَبِيراً: يؤثر في بواطنهم فيكون كَبِيراً يفوق ما يؤثر في الظواهر (و) إن زعموا أنه كيف يجاهد بالدلائل من يورد شبهات تجاورها؟ قيل: غاية أمرها أن يكونا كالبحرين المختلفين المتجاورين. وقد رفع الله الالتباس بينهما بعد ما جاور بينهما وهما محسوسان، فكيف لا يرفع الالتباس بين البحرين المعقولين إذ هُوَ الَّذِي مَرَجَ أي جاور الْبَحْرَيْنِ اللذين بينهما غاية الخلاف إذ هذا عَذْبٌ فُراتٌ أي قاطع للعطش وهو مثل بحر الدلائل المفيدة للذوق، القاطعة عطش الطلب وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ أي مبالغ في الملوحة. وهو مثل بحر الشبهات الموجبة للنفرة جدّا لأهل الذوق (و) أما لأهل النظر فقد جَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً أي مانعا من الخلط. وهو النظر في مواد المقدمات وصورها ليعلم بذلك صحة الدلائل (و) أما فساد الشبهات فيعلم بالاعتراضات التي

<<  <  ج: ص:  >  >>