إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها أي: يذكر مثلا ما.
يقال: ضرب مثلا، ذكره، فيتعدّى لمفعول واحد. أو صيّر، فلمفعولين.
قال أبو إسحاق في قوله تعالى: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا [الكهف: ٣٢] أي:
اذكر لهم. وعبارة الجوهريّ: ضرب الله مثلا أي وصف وبيّن. وفي شرح نظم الفصيح: ضرب المثل: إيراده ليمتثل به، ويتصوّر ما أراد المتكلم بيانه للمخاطب.
يقال: ضرب الشيء مثلا، وضرب به، وتمثّله، وتمثّل به. ثم قال: وهذا معنى قول بعضهم: ضرب المثل اعتبار الشيء بغيره، وتمثيله به. و «ما» هذه اسميّة إبهاميّة، وهي التي إذا اقترنت باسم نكرة أبهمته إبهاما، وزادته شياعا وعموما- كقولك:
أعطني كتابا مّا، تريد أيّ كتاب كان- كأنه قيل: مثلا ما من الأمثال أيّ مثل كان.
فهي صفة لما قبلها. أو حرفية مزيدة لتقوية النسبة وتوكيدها- كما في قوله تعالى:
فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ [النساء: ١٥٥]- كأنه قيل: لا يستحيي أن يضرب مثلا حقّا، أو البتّة.
وبَعُوضَةً بدل من مَثَلًا. أو هما مفعولا «يضرب» لتضمنّه معنى الجعل والتصيير. ومعنى الآية: إنه تعالى لا يترك ضرب المثل بالبعوضة، ترك من يستحيي أن يتمثّل بها لحقارتها. أي لا يستصغر شيئا يضرب به مثلا- ولو كان في الحقارة والصغر كالبعوضة- كما لا يستنكف عن خلقها، كذلك لا يستنكف عن ضرب المثل بها، كما ضرب المثل بالذباب والعنكبوت في قوله: يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ، إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ، وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ، ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ [الحج: ٧٣] ، وقال: مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ، اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ، لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ [العنكبوت: ٤١] ، وغير ذلك من أمثال الكتاب العزيز. فما استنكره السّفهاء وأهل العناد والمراء، واستغربوه من أن