ثمراتها الوبيئة البشعة المحرقة فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ أي الماء الذي انتهى حره وغليانه. قال الزمخشري: وأنّث ضمير الشجر على المعنى، وذكّره على اللفظ في قوله (منها) و (عليه) فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ أي الإبل التي بها الهيام، وهو داء لا ريّ معه، لشدة الشغف والكلب بها وهذا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ أي جزاؤهم في الآخرة.
وفيه مبالغة بديعة، لأن النزل ما يعدّ للقادم عاجلا إذا نزل، ثم يؤتى بعده بما هو المقصود من أنواع الكرامة، فلما جعل هذا، مع أنه أمر مهول، كالنزل، دلّ على أن بعده ما لا يطيق البيان شرحه. وجعله نزلا. مع أنه ما يكرم به النازل، متهكما، كما في قوله:
وكنا إذا الجبار بالجيش ضافنا ... جعلنا القنا والمرهفات له نزلا
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الواقعة (٥٦) : الآيات ٥٧ الى ٦٢]
نَحْنُ خَلَقْناكُمْ أي معشر قريش، والمكذبين بالبعث، فأوجدناكم بشرا، ولم تكونوا شيئا فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ أي بالخلق. وهم، وإن كانوا مقرين به لقوله: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [لقمان: ٢٥] و [الزمر: ٣٨] ، إلا أنه نزل منزلة العدم والإنكار، لأنه إذا لم يقترن بالطاعة، والأعمال الصالحة، لا يعد تصديقا. أو المعنى: فلولا تصدقون بالبعث، فإن من قدر على الإبداء، قدر على الإعادة أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ أي ما تقذفونه في الرحم من النطف. أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أي بجعله بشرا سويّا أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ أي بإفاضة الصورة الإنسانية عليه نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ أي كتبنا على كل نفس ذوقه. أي: ومن كان سبيله ذلك، فشأنه أن يرهب من نزوله، ويتأهب لما يخوّف به من بعده. والجملة مقررة لما قبلها بإيذان أنهم في قبضة القدرة، فلا يغترون بالإمهال، بدليل ما قدره عليهم من الموت. وفي قوله تعالى: بَيْنَكُمُ زيادة تنبيه، كأنه بين ظهرانيهم، ثم أكد ما قرره بقوله تعالى:
وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ أي بمغلوبين عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ
أي بعد مهلككم، فنجيء بآخرين من جنسكم وَنُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ