للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بمعونة المقام فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا، فَلَمَّا جاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ أي أخبره بجميع ما جرى عليه إلى خروجه لما تآمروا بقتله قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ أي بالخروج عن حدّ ولايتهم، إذ لا سلطان لهم بأرضنا.

القول في تأويل قوله تعالى: [سورة القصص (٢٨) : الآيات ٢٦ الى ٢٨]

قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (٢٦) قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (٢٧) قالَ ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ (٢٨)

قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ أي اجعله أجيرك ليرعى غنمك، فإنه حقيق بذلك إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ أي خير من أردت جعله أجيرا، القويّ على العمل المؤتمن فيه.

قال الزمخشريّ: وقولها إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ كلام حكيم جامع لا يزاد عليه. لأنه إذا اجتمعت هاتان الخصلتان، أعني الكفاية والأمانة في القائم بأمرك، فقد فرغ بالك وتم مرادك. وقد استغنت بإرسال هذا الكلام الذي سياقه سياق المثل والحكمة، أن تقول: استأجره لقوّته وأمانته. انتهى.

قال الناصر: وهو أيضا أجمل في مدح النساء للرجال، من المدح الخاص.

وأبقى للحشمة. وخصوصا إن كانت فهمت أن غرض أبيها عليه السلام أن يزوجها منه. وما أحسن ما أخذ الفاروق رضي الله عنه هذا المعنى فقال: أشكو إلى الله ضعف الأمين وخيانة القويّ. ففي مضمون الشكاية سؤال الله تعالى أن يتحفه بمن جمع الوصفين، فكان قويا أمينا: يستعين به على ما كان بصدده رضي الله عنه.

انتهى. قالَ إِنِّي أُرِيدُ أي لقوتك وأمانتك، ما يقوّي المودة ويجذب القلوب أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ أي على أن تكون أجيري لرعي المواشي بأجرة على ابنتي، هي مهرها عليك، ثماني سنين فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ أي فهو من عندك بطريق التفضل وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ أي بإلزام أتم الأجلين وإيجابه سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ أي في حسن المعاملة ولين

<<  <  ج: ص:  >  >>