قالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ، لما استبعدوا تملكه بسقوط نسبه وبفقره. رد عليهم ذلك أوّلا: بأن ملاك الأمر هو اصطفاء الله تعالى وقد اختاره عليكم وهو أعلم بالمصالح منكم. وثانيا: بأن العمدة فيه وفور العلم ليتمكن به من معرفة أمور السياسة. وجسامة البدن ليعظم خطره في القلوب ويقدر على مقاومة الأعداء ومكابدة الحروب. وقد خصه الله تعالى منهما بحظ وافر قاله أبو السعود.
وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ، - في الدنيا من غير إرث أو مال. إذ لا يشترط في حقه تعالى شيء، فهو الفعال لما يريد وَاللَّهُ واسِعٌ يوسع على الفقير ويغنيه عَلِيمٌ بمن يليق بالملك ممن لا يليق به. وإظهار الاسم الجليل لتربية المهابة.
قال بعض مفسري الزيدية: ثمرة الآية أن النبوة والإمامة لا تستحق بالإرث وأن الغنى، والصيانة من الحرف الدنيئة، لا تشترط في أمير ولا إمام ولا قاض. أي لما روي أن طالوت كان دباغا أو سقاء مع فقره. قال الحاكم: فيبطل قول الإمامية أنها وراثة، والمعروف من قولهم: أن الإمامة طريقها النص، وتدل الآية أيضا على أنه يشترط في الأمير ونحوه القوة على ما تولاه. فيكون سليما من الآفات عالما بما يحتاج إليه، لأن الله تعالى ذكر البسطة في العلم والجسم ردّا على ما اعتبروا.
وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ، أي علامة مُلْكِهِ أنه من الله تعالى: أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ أي يرد الله إليكم التابوت الذي أخذ منكم وهو صندوق التوراة. على ما سنذكره فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ، أي وقار وجلال وهيبة. أو فيه سكون نفوس بني إسرائيل يتقوون به على الحرب وَبَقِيَّةٌ، أي فضلة جملة، ذهب جلّها مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ، أي من آثارهم الفاضلة تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذلِكَ، أي في رد التابوت إليكم لَآيَةً لَكُمْ أن ملكه من الله تعالى: إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ بآيات الله وأنبيائه.
قال العلامة البقاعيّ عليه الرحمة: التابوت، والله أعلم، الصندوق الذي وضع