للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجبال والطير يقدسن الله معه، بصوت يتمثل له أو يخلق فيها. قال ابن كثير: وذلك لطيب صوته بتلاوة كتابه (الزبور) وكان إذا ترنم به تقف الطير في الهواء فتجاوبه.

وترد عليه الجبال تأويبا، ولهذا لما مرّ «١» النبيّ صلى الله عليه وسلم على أبي موسى الأشعريّ وهو يتلو القرآن من الليل، وكان له صوت طيّب جدا، فوقف واستمع لقراءته

وقال: لقد أوتي هذا مزمارا من مزامير آل داود. قال: يا رسول الله! لو علمت أنك تسمع لحبّرته لك تحبيرا.

قال أبو عثمان الهنديّ: ما سمعت صوت صنج ولا بربط ولا مزمار مثل صوت أبي موسى رضي الله عنه. انتهى.

وتقديم الجبال على الطير، لأن تسبيحها أعجب وأدل على القدرة، وأدخل في الإعجاز، لأنها جماد. والتذييل بقوله وَكُنَّا فاعِلِينَ إشارة إلى أنه ليس ببدع في جانب القدرة الإلهية، وإن كان عند المخاطبين عجيبا. وهذه الآية كقوله تعالى في سورة (ص) وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ [ص: ١٧- ١٩] .

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الأنبياء (٢١) : آية ٨٠]]

وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ (٨٠)

وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ أي عمل الدروع الملبوسة. قيل كانت الدروع قبله صفائح، فحلقها وسردها. أي جعلها حلقا وأدخل بعضها في بعض كما قال تعالى: وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ [سبأ: ١٠- ١١] ، أي لا توسع الحلقة فتقلق المسمار. ولا تغلظ المسمار فتقدّ الحلقة. ولهذا قال لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ أي لتحفظكم من جراحات قتالكم فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ أي لنعم الله عليكم، لما ألهم عبده داود فعلّمه ذلك رحمة بكم فيما يحفظ عليكم في المعامع حياتكم. وفي إيراد الأمر بالشكر على صورة الاستفهام، مبالغة في التقريع والتوبيخ، لما فيه من الإيماء إلى التقصير في الشكر.


(١) أخرجه البخاري في: فضائل القرآن، ٣١- باب حسن الصوت بالقراءة، حديث رقم ٢٠٩٧.
وأخرجه مسلم في: صلاة المسافرين وقصرها، حديث رقم ٢٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>