للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وابن ماجة «١» من حديث الليث بن سعد عن الزهري عن حرام بن محيّصة، أن ناقة البراء بن عازب دخلت حائطا. فأفسدت فيه. فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل الحوائط، حفظها بالنهار. وما أفسد المواشي بالليل ضامن على أهلها

. وقد علّل هذا الحديث. وروى ابن أبي حاتم أن إياس بن معاوية، لما استقضى أتاه الحسن، فبكى.

فقال: ما يبكيك؟ قال: يا أبا سعيد! بلغني أن القضاة رجل اجتهد فأخطأ فهو في النار. ورجل مال به الهوى فهو في النار. ورجل اجتهد فأصاب فهو في الجنة. فقال الحسن البصريّ: إن فيما قصّ الله من نبأ داود وسليمان عليهما السلام والأنبياء، حكما يردّ قول هؤلاء الناس عن قولهم. قال الله تعالى: وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ ... الآية. فأثنى الله على سليمان، ولم يذمّ داود.

ثم قال (يعني الحسن) : إن الله اتخذ على الحكماء ثلاثا: لا يشتروا به ثمنا قليلا. ولا يتبعوا فيه الهوى. ولا يخشوا فيه أحدا. ثم تلا يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [ص:

٢٦] ، وقال: فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ [المائدة: ٤٤] ، وقال: وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا [البقرة: ٤١] .

ثم قال ابن كثير:

وقد ثبت في صحيح البخاري عن عمرو بن العاص أنه قال.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران. وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر)

فهذا الحديث يردّ نصّا ما توهمه إياس من أن القاضي إذا اجتهد فأخطأ فهو في النار.

وفي السنن «٢» : (القضاة ثلاثة: قاض في الجنة وقاضيان في النار. رجل علم الحق وقضى به فهو في الجنة. ورجل حكم بين الناس على جهل فهو في النار، ورجل علم الحق وقضى بخلافه فهو في النار) .

ثم بيّن سبحانه ما خص كلّا من داود وسليمان من كراماته، إثر بيان كرامته العامة لهما، بقوله: وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فاعِلِينَ أي سخرنا


(١) أخرجه ابن ماجة في: الأحكام، ١٣- باب الحكم فيما أفسدت المواشي، حديث رقم ٢٣٣٢.
(٢) أخرجه أبو داود في: الأقضية، ٢- باب في القاضي يخطئ، حديث رقم ٣٥٧٣، عن بريدة.
وأخرجه ابن ماجة في: الأحكام، ٣- باب الحاكم يجتهد فيصيب الحق، حديث رقم ٢٣١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>