أَلَمْ يَعْلَمُوا أي أولئك المنافقون. قال أبو السعود: والاستفهام للتوبيخ على ما أقدموا عليه من العظيمة، مع علمهم بسوء عاقبتها. وقرئ بالتاء على الالتفات، لزيادة التقريع والتوبيخ أي ألم يعلموا بما سمعوا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من فنون القوارع والإنذارات أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِداً فِيها أي من يخالف الله ورسوله. قال الليث: حاددته أي خالفته، والمحاددة كالمجانبة والمعاداة والمخالفة، واشتقاقه من (الحدّ) ، بمعنى الجهة والجانب، كما أن المشاقة من (الشق) بمعناه أيضا، فإن كل واحد من المتخالفين والمتعاديين في حدّ وشقّ، غير ما عليه صاحبه.
فمعنى يُحادِدِ اللَّهَ يصير في حدّ غير حدّ أولياء الله، بالمخالفة.
وقال أبو مسلم: المحادة مأخوذة من الحديد، حديد السلاح.
يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ أي في شأنهم، فإن ما نزل في حقهم، نازل عليهم سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ أي من الأسرار الخفية، فضلا عما كانوا يظهرونه فيما بينهم من أقاويل الكفر والنفاق. ومعنى تنبئتها إياهم بما في قلوبهم، مع أنه معلوم لهم، وأن المحذور عندهم اطّلاع المؤمنين على أسرارهم، لا اطّلاع أنفسهم عليها- أنها تذيع ما كانوا يخفونه من أسرارهم، فتنتشر فيما بين الناس، فيسمعونها من أفواه الرجال مذاعة، فكأنها تخبرهم بها. والمراد بالتنبئة المبالغة في كون السورة مشتملة على أسرارهم، كأنها تعلم من أحوالهم الباطنة ما لا يعلمونه، فتنبئهم بها، وتنعي عليهم قبائحهم. وقيل: معنى (يحذر) ليحذر، وقيل: الضميران الأولان للمؤمنين، والثالث للمنافقين، ولا يبالي بالتفكيك عند ظهور الأمر بعود المعنى إليه. أي يحذر المنافقون أن تنزل على المؤمنين سورة تخبرهم بما في قلوب المنافقين. أفاده أبو السعود.