هذا الحكم المذكور في الآيتين منسوخ، بعضه بالكتاب وبعضه بالسنة. قال الإمام الشافعيّ في الرسالة في (أبواب الناسخ والمنسوخ) بعد ذكره هاتين الآيتين [٣٧٦] : ثم نسخ الله الحبس والأذى في كتابه فقال: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ.
[٣٧٧] فدلت السنة على أن جلد المائة للزانيين البكرين (لحديث عبادة بن الصامت المتقدم) .
ثم قال:[٣٨٠] فدلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جلد المائة ثابت على البكرين الحرّين، ومنسوخ عن الثيبين. وأن الرجم ثابت على الثيبين الحرين. ثم قال:
[٣٨١] لأن
قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلا: البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام. والثيب بالثيب جلد مائة والرجم- أوّل ما نزل.
فنسخ به الحبس والأذى عن الزانيين.
[٣٨٢] فلما رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عزا ولم يجلده، وأمر أنيسا أن يغدو على امرأة الأسلميّ، فإن اعترفت رجمها- دل على نسخ الجلد عن الزانيين الحرين الثيبين. وثبت الرجم عليهما. لأن كل شيء أبدا بعد أول فهو آخر. انتهى.
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ١٧]]
إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ استئناف مسوق لبيان أن قبول التوبة من الله تعالى ليس على إطلاقه، كما ينبئ عنه وصفه تعالى بكونه توابا رحيما. بل هو مقيد بما سينطق به النص الكريم. قوله تعالى التَّوْبَةُ مبتدأ وقوله تعالى: لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ خبره. وقوله تعالى: عَلَى اللَّهِ متعلق بما تعلق به الخبر من الاستقرار. ومعنى كون التوبة عليه سبحانه، صدور القبول عنه تعالى. وكلمة عَلَى للدلالة على التحقق البتة بحكم سبق الوعد حتى كأنه من الواجبات عليه سبحانه. والمراد بالسوء المعصية، صغيرة أو كبيرة- كذا في أبي السعود. بِجَهالَةٍ متعلق بمحذوف وقع حالا من فاعل يَعْمَلُونَ أي متلبسين بها. أي جاهلين سفهاء. أو ب يَعْمَلُونَ