للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على أن الباء سببية. أي يعملونه بسبب الجهالة. والمراد بالجهل السفه بارتكاب ما لا يليق بالعاقل. لا عدم العلم. فإن من لا يعلم لا يحتاج إلى التوبة: والجهل بهذا المعنى حقيقة واردة في كلام العرب. كقوله: فنجهل فوق جهل الجاهلينا. ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ أي من زمان قريب. وظاهر الآية اشتراط وقوع التوبة عقب المعصية بلا تراخ. وإنها بذلك تنال درجة قبولها المحتم تفضلا. إذ بتأخيرها وتسويفها يدخل في زمرة المصرّين. فيكون في الآية إرشاد إلى المبادرة بالتوبة عقب الذنب. والإنابة إلى المولى بعده فورا. ووجوب التوبة على الفور مما لا يستراب فيه.

إذ معرفة كون المعاصي مهلكات من نفس الإيمان. وهو واجب على الفور. وتتمته في (الإحياء) .

إذا عرفت هذا، فما ذكره كثير من المفسرين من أن المراد من قوله تعالى مِنْ قَرِيبٍ ما قبل حضور الموت- بعيد من لفظ الآية وسرها التي أرشدت إليه. أعني البدار إلى التوبة قبل أن تعمل سموم الذنوب بروح الإيمان، عياذا بالله تعالى. (فإن قيل) : من أين يستفاد قبول التوبة قبل حضور الموت؟ (قلنا) يستفاد من الآية التي بعدها، ومن الأحاديث الوافرة في ذلك. لا من قوله تعالى مِنْ قَرِيبٍ بما أولوه.

وذلك لأن الآية الثانية وهي قوله تعالى: وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ- صريحة في أن وقت الاحتضار هو الوقت الذي لا تقبل فيه التوبة. فبقي ما وراءه في حيّز القبول.

وقد روى الإمام أحمد «١» عن ابن عمر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر. ورواه ابن ماجة والترمذيّ

وقال: حسن غريب.

وروى أبو داود «٢» الطيالسيّ عن عبد الله بن عمرو قال: من تاب قبل موته بعام تيب عليه. ومن تاب قبل موته بيوم تيب عليه. ومن تاب قبل موته بساعة تيب عليه. (قال أيوب) . فقلت له إنما قال الله عز وجل: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ. فقال: إنما أحدثك ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروى نحوه الإمام أحمد وسعيد بن منصور وابن مردويه.

وروى مسلم «٣» عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب


(١) أخرجه في مسنده المسند ٢/ ١٢٣.
(٢) أخرجه في مسنده، الحديث ٢٢٨٤.
(٣) أخرجه مسلم في: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، حديث ٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>