أوله وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ هذه الآية حكاية لنوع آخر من تلبيساتهم.
وهي مكيدة أرادوها ليلبسوا على الضعفاء من المؤمنين أمر دينهم، وهو أنهم اشتوروا بينهم أن يظهروا الإيمان أول النهار ويصلّوا مع المسلمين، فإذا جاء آخر النهار ارتدوا إلى دينهم. فيظن الضعفاء أنه لا غرض لهم إلا الحق، وأنه ما ردهم عن الدين بعد اتباعهم له وترك العناد، وهم أولو علم وأهل كتاب، إلا ظهور بطلانه لهم، ولهذا قال:
لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ أي عن الإسلام كما رجعتم.
[لطيفة:]
قال الرازيّ: الفائدة في إخبار الله تعالى عن تواطئهم على هذه الحيلة من وجوه:
الأول- أن هذه الحيلة كانت مخيفة فيما بينهم وما أطلعوا عليها أحدا من الأجانب، فلما أخبر الرسول عنها كان ذلك إخبارا عن الغيب فيكون معجزا.
الثاني- أنه تعالى لما أطلع المؤمنين على تواطئهم على هذه الحيلة لم يحصل لها أثر في قلوب المؤمنين، ولولا هذا الإعلام لكان ربما أثرت في قلب بعض من في إيمانه ضعف.
الثالث- أن القوم لما افتضحوا في هذه الحيلة صار ذلك رادعا لهم عن الإقدام على أمثالها من الحيل والتلبيس.
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة آل عمران (٣) : آية ٧٣]]
وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ من تتمة كلامهم أي ولا تصدقوا إلا نبيا تابعا لشريعتكم، لا من جاء بغيرها، أو ولا تؤمنوا ذلك الإيمان المتقدم، وهو إيمانهم وجه النهار، إلا لأجل حفظ أتباعكم وأشياعكم وبقائهم على دينكم قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ أي الذي هو الإسلام وقد جئتكم به، وما عداه ضلال فلا ينفعكم في دفعه هذا الكيد الضعيف ولا تقدرون على إضلال أحد منا بعد أن هدانا الله. ثم وصل به