أذّن بلال رضي الله عنه فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ أي الخطبة والصلاة وَذَرُوا الْبَيْعَ أي في ذلك الوقت. قال أبو مالك: كان قوم يجلسون في بقيع الزبير، فيشترون ويبيعون إذا نودي للصلاة يوم الجمعة. فنزلت ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ أي سعيكم لها، وترك البيع، خير لكم مما نفعه يسير، وربحه مقارب إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ أي أديت وفرغ منها فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ أي أذكروا أمره ودينه وشرعه دائما، لتصير ملكة لكم، تظهر آثارها على أعمالكم وأخلاقكم، فتفلحوا بسعادة الدارين، قال ابن جرير: أي اذكروه بالحمد له، والشكر على ما أنعم به عليكم من التوفيق لأداء فرائضه، لتفلحوا فتدركوا طلباتكم عند ربكم، وتصلوا إلى الخلد في جنانه.
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الجمعة (٦٢) : آية ١١]]
وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أي عير تجارة أَوْ لَهْواً أي ما تلهو به النفس عن الحق والجد والنافع انْفَضُّوا إِلَيْها أي أسرعوا إلى التجارة خشية أن يسبقوا إليها، وإنما أوثر ضميرها لأنها الأهم المقصود وَتَرَكُوكَ قائِماً أي على المنبر قُلْ ما عِنْدَ اللَّهِ أي من الثواب المرجوّ بسماع الخطبة والعظة بها خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ أي لأن الثواب مخلد نفعه، بخلاف ما يتوهمونه منها.
قال الشهاب: وتقديم (اللهو) لأنه أقوى مذمة، فناسب تقديمه في مقام الذم.
وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ أي: فاعملوا للأعراض الباقية عنده، فإنها خير من الأمور الفانية عندكم، وفوضوا أمر الرزق إليه بالتوكل، والثقة بفضله. فإنه خير الرازقين.
[تنبيهات:]
الأول- قال الرازي: وجه تعلق آية الجمعة بما قبلها، هو أن الذين هادوا يفرون من الموت لمتاع الدنيا وطيباتها، والذين آمنوا يبيعون ويشرون لمتاع الدنيا وطيباتها كذلك. فنبههم الله تعالى بقوله: فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ أي إلى ما ينفعكم في الآخرة، وهو حضور الجمعة، لأن الدنيا ومتاعها فانية، والآخرة وما فيها باقية. قال تعالى: وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى [الأعلى: ١٧] . ووجه آخر في التعلق. قال بعضهم:
قد أبطل الله قول اليهود في ثلاث: افتخروا بأنهم أولياء الله وأحباؤه فكذبهم بقوله:
فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [البقرة: ٩٤] . وبأنهم أهل الكتاب، والعرب لا