استشكلوا أنه صلى الله عليه وسلم خرج إلى أحد بعد صلاة الجمعة كما اتفقت عليه كلمة أهل السير، فكيف المطابقة؟
فمنهم من أجاب بأنه المراد غدوة السبت، وأنه كان في صباحه التبوؤ للمقاعد إلا أنه لا يساعده (من أهلك) لأنه لم يكن وقتئذ أهله معه.
ومنهم من قال: المراد غدوة الجمعة أي: اذكر إذ غدوت من أهلك صبيحة الجمعة إلى أصحابك في مسجدك تستشيرهم في أمر المشركين، ثم قال: وبنى من (غدوت) حالا إعلاما بأن الشروع في السبب شروع في مسببه، فقال (تبوئ المؤمنين) أي صبيحة يوم السبت.
وكان يخطر لي أن الأقرب جعل الغدوّ بمعنى الخروج غير مقيد بالبكرة، وكثيرا ما يستعمل كذلك.
ثم رأيت في فتح البيان ما استظهرته فحمدت الله على الموافقة ونصه: وعبر عن الخروج بالغدوّ الذي هو الخروج غدوة مع كونه صلى الله عليه وسلم خرج بعد صلاة الجمعة، لأنه قد يعبر بالغدوة والرواح عن الخروج والدخول من غير اعتبار أصل معناهما، كما يقال (أضحى) وإن لم يكن في وقت الضحى- انتهى- قال البقاعيّ: ولما كان رجوع عبد الله بن أبيّ المنافق، كما يأتي في صريح الذكر آخر القصة، من الأدلة على أن المنافقين، فضلا عن المصارحين بالمصارمة، متصفون بإخبار الله تعالى عنهم من العداوة والبغضاء، مع أنه كان سببا في هم الطائفتين من الأنصار بالفشل- كان إيلاء هذه القصة للنهي عن اتخاذ بطانة السوء الذين لا يقصرون عن فساد، في غاية المناسبة. ولذلك افتتحها سبحانه بقوله مبدلا من (إذ غدوت) دليلا على ما قبله من أن بطانة السوء لا يألونهم خبالا.
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة آل عمران (٣) : آية ١٢٢]]
إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أي بنو سلمة من الخزرج وبنو حارثة من الأوس أَنْ تَفْشَلا أي تكسلا وتجبنا وتضعفا لرجوع المنافقين عن نصرهم وولايتهم فعصمهما الله، فمضيا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وَاللَّهُ وَلِيُّهُما ناصرهما، ومتولي أمرهما، فأمدهما بالتوفيق والعصمة، وَعَلَى اللَّهِ وحده دون ما عداه استقلالا أو اشتراكا فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ في جميع أمورهم، فإنه حسبهم. و (التوكل: تفعل)