للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منهم يكفونهم النفير لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ أي ليتعلموا أمر الدين من النبي صلّى الله عليه وسلّم وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ أي يعلموهم ويخبروهم ما أمروا به، وما نهوا عنه إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ أي من غزوتهم لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ أي فيصلحون أعمالهم.

[تنبيهات:]

الأول- قال السيوطي في (الإكليل) : في الآية أن الجهاد فرض كفاية، وأن التفقه في الدين، ونشر العلم، وتعليم الجاهلين كذلك. وفيها الرحلة في طلب العلم. واستدل بها قوم على قبول خبر الواحد، لأن الطائفة نفر يسير، بل قال مجاهد: إنها تطلق على الواحد. انتهى.

وقال الجصّاص في (الأحكام) : في الآية دلالة على لزوم خبر الواحد في الديانات التي لا تلزم العامة، ولا تعمّ الحاجة إليها، وذلك لأن الطائفة لما كانت مأمورة بالإنذار انتظم فحوى الدلالة عليه من وجهين:

أحدهما- أن الإنذار يقتضي فعل المأمور به، وإلا لم يكن إنذارا.

والثاني- أمره إيانا بالحذر عند إنذار الطائفة، لأن معنى قوله: لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ليحذروا. وذلك يتضمن لزوم العمل بخبر الواحد، لأن الطائفة تقع على الواحد، فدلالتها ظاهرة. انتهى.

وفي القاموس: أن الطائفة من الشيء القطعة منه، أو الواحدة، فصاعدا، أو إلى الألف، أو أقلها رجلان، أو رجل. فيكون بمعنى (النفس الطائفة) .

قال الراغب: إذا أريد بالطائفة الجمع، فجمع (طائف) وإذا أريد به الواحد، فيصح أن يكون جمعا، وكني به عن الواحد، وأن يجعل ك (رواية) و (علّامة) ونحو ذلك.

الثاني- إن قيل: كان الظاهر في الآية (ليتفقهوا في الدين وليعلموا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يفقهون) فلم وضع موضع (التعليم) الإنذار، وموضع (يفقهون) يحذرون؟ يجاب. بأن ذلك آذن بالغرض منه، وهو اكتساب خشية الله، والحذر من بأسه.

قال الغزالي رحمه الله: كان اسم الفقه في العصر الأول، اسما لعلم الآخرة، ومعرفة دقائق آفات النفوس، ومفسدة الأعمال، والإحاطة بحقارة الدنيا، وشدة التطلع إلى نعيم الآخرة، واستيلاء الخوف على القلب. ويدل عليه هذه الآية. كذا في (العناية) .

<<  <  ج: ص:  >  >>