للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد أسهب، عليه الرحمة، أيضا في كتاب (إغاثة اللهفان) في بيان تضمن القرآن لأدوية القلب وعلاجه من جميع أمراضه، بما تنبغي مراجعته، ليزداد المريد علما.

وقوله تعالى:

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الإسراء (١٧) : آية ٨٣]]

وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُساً (٨٣)

وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُساً إشارة إلى السبب في وقوع هؤلاء الضالين في أودية الضلال. وهو حب الدنيا وإيثارها على الأخرى، وكفران نعمه تعالى. بالإعراض عن شكرها، والجزع واليأس من الفرج عند مسّ شر قضى عليه. وكل ذلك مما ينافي عقد الإيمان. فإن المؤمن ينظر بعين البصيرة، ويشاهده قدرة الله تعالى في كلتا الحالتين. ويتيقن في الحالة الأولى أن الشكر رباط النعم. وفي الثانية أن الصبر دفاع النقم. فيشكر ويصبر. ويعلم أن المنعم يقدر فلم يعرض عند النعمة بطرا وأشرا. ولم يغفل عن المنعم ولم يجزع عند النقمة جزعا وضجرا.

فالآية وصف للجنس باعتبار بعض أفراده ممن هو على هذه الصفة. كقوله تعالى: وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ، وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ، إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ [هود: ٩- ١١] .

قال الزمخشريّ: وَنَأى بِجانِبِهِ تأكيد للإعراض. لأن الإعراض عن الشيء أن يولّيه عرض وجهه. والنأي بالجانب: أن يلوي عنه عطفه ويوليه ظهره. أو أراد الاستكبار، لأن ذلك من عادة المستكبرين.

وقوله تعالى:

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الإسراء (١٧) : آية ٨٤]]

قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلاً (٨٤)

قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ أي على مذهبه وطريقته وخليقته وملكته الغالبة عليه، الحاصلة له من استعداد حقيقته، التي تشاكل حاله في الهدى والضلالة. من

<<  <  ج: ص:  >  >>