للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

باعتبار الصعود. وإنما عوقبوا بذلك لأنهم أخبث الكفرة. إذ ضموا إلى الكفر استهزاء بالإسلام وخداعا للمسلمين.

قال الرازيّ: وبسبب أنهم لمّا كانوا يظهرون الإسلام، يمكنهم الاطلاع على أسرار المسلمين ثم يخبرون الكفار بذلك. فكانت تتضاعف المحنة من هؤلاء المنافقين. فلهذه الأسباب عوقبوا بذلك. ونقل عن ابن الأنباريّ أنه قال: إنه تعالى أخبر عن آل فرعون بقوله: أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ [غافر: ٤٦] ، وعن المنافقين بما في هذه الآية. فأيهما أشد عذابا؟ فأجاب: بأنه يحتمل أن أشد العذاب إنما يكون في الدرك الأسفل. وقد اجتمع فيه الفريقان. والله أعلم.

روى الترمذيّ «١» عن الحسن قال: قال عتبة بن غزوان على منبر البصرة، إن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: إن الصخرة العظيمة لتلقى من شفير جهنم فتهوي فيها سبعين عاما، وما تفضي إلى قرارها

. وكان عمر رضي الله عنه يقول: أكثروا ذكر النار. فإن حرها شديد وإن قعرها بعيد وإن مقامعها حديد.

وروى الترمذيّ «٢» عن أبي سعيد الخدريّ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ويل واد في جهنم يهوي فيه الكافر أربعين خريفا قبل أن يبلغ قعره

وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً أي: ينقذهم مما هم فيه ويخرجهم من أليم العذاب.

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ١٤٦]]

إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً (١٤٦)

إِلَّا الَّذِينَ تابُوا أي: عن النفاق وَأَصْلَحُوا أي: أعمالهم وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ أي: وثقوا به بترك موالاة الكفار وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فلم يبق لهم فيه تردد.

ولم يريدوا بطاعتهم إلا وجهه سبحانه، لا رياء الناس كما كانوا قبل. فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ إشارة إلى الموصول باعتبار اتصافه بما في حيّز الصلة. وما فيه من معنى البعد، للإيذان ببعد المنزلة وعلو الطبقة. أي: لعلو رتبتهم بهذه الأمور لا يكونون في درك من النار فضلا عن الأسفل، بل مع المؤمنين المستمرين على الإيمان بلا نفاق. أي: معهم في درجات الجنان. وقد بيّن ذلك بقوله سبحانه وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً ثوابا وافرا في الجنة. فيشاركونهم فيه ويساهمونهم. وحذفت


(١) أخرجه الترمذيّ في: صفة جهنم، ٢- باب ما جاء في صفة قعر جهنم.
(٢) أخرجه الترمذيّ في: التفسير، ٢١- سورة الأنبياء، ١- حدثنا عبد بن حميد.

<<  <  ج: ص:  >  >>