للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد روى الإمام أحمد ومسلم «١» هذا الحديث من وجه آخر. عن يزيد الفقير، عن جابر

وهذا أبسط سياقا.

زاد ابن أبي حاتم: قال جابر: أما تقرأ القرآن؟ قلت: بلى. قد جمعته قال:

أليس الله يقول: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً [الإسراء: ٧٩] ؟ فهو ذلك المقام، فإن الله تعالى يحبس أقواما بخطاياهم في النار ما شاء، لا يكلمهم، فإذا أراد أن يخرجهم أخرجهم.

ولما أوجب تعالى- في الآية المتقدمة- قطع الأيدي والأرجل عند أخذ المال على سبيل المحاربة- بين أن أخذ المال على سبيل السرقة يوجب قطع الأيدي والأرجل أيضا، فقال سبحانه:

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة المائدة (٥) : آية ٣٨]]

وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٣٨)

وَالسَّارِقُ أي: من الرجال وَالسَّارِقَةُ أي من النساء فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما يعني يمين كل منهما، والمقطع الرسغ، كما بينته السنّة جَزاءً بِما كَسَبا أي:

يقطع الآلة الكاسبة نَكالًا أي: عقوبة مِنَ اللَّهِ أي: على فعل السرقة المنهي عنه من جهته تعالى، لا في مقابلة إتلاف المال، فإنه غير السرقة. فلذلك لا يسقط بعفو المالك، بخلاف العفو عن المال. ولا يبالي فيه بعزة السارق، لأنه تعالى غالب على أمره يمضيه كيف يشاء، كما قال: وَاللَّهُ عَزِيزٌ أي: فلا يبالي- مع عزته الموجبة لامتثال أمره- عزّة من دونه حَكِيمٌ في شرائعه، فيختل أمر نظام العالم بمخالفة أمره، إذ فيه نفع عام للخلائق.

وفي الآية مسائل:

الأولى- قال أبو السعود: لما كانت السرقة معهودة من النساء كالرجال، صرح بالسارقة أيضا، مع أن المعهود في الكتاب والسنة إدراج النساء في الأحكام الواردة في شأن الرجال بطريق الدلالة. لمزيد الاعتناء بالبيان والمبالغة في الزجر. انتهى.

ولما كانت غلبة السرقة في الرجال، لقوتهم بدأ بالسارق. كما أن غلبة الزنى


(١) أخرجه مسلم في: الإيمان، حديث ٣٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>