لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ أي من سعة ماله وغناه على امرأته البائنة في أجر رضاع ولده منها، وعلى ولده الصغير وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ أي ضيق عليه فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللَّهُ أي على قدر ماله وطاقته لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها يعني: وسعها وطاقتها، فلا يكلف الفقير نفقة الغنيّ، ولا أحدا إلا فرضه الذي وجب عليه سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً أي سيؤتي المقلّ بعد ضيق فرجا، وبعد فقر غنى، تسلية للمعسرين من فقراء الأزواج، وتصبير لمطلقاتهن، وتطييب لقلوب الجميع، وتبشّر عام.
[تنبيه:]
في (الإكليل) : فيه أن النفقة يراعى فيها حال المنفق يسارا وإعسارا، وإن نفقة المعسر أقل من نفقة الموسر، لا حال المنفق عليه، واستدل بقوله لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها من قال: لا فسخ بالعجز عن الإنفاق على الزوجة. وفي الآية استحباب مراعاة الإنسان نفسه في النفقة والصدقة. ففي الحديث: إن المؤمن أخذ عن الله أدبا حسنا: إذا هو وسع عليه وسع، وإذا هو قتر عليه قتر.
روى ابن جرير أن عمر بن الخطاب سأل عن أبي عبيدة فقيل له: إنه يلبس الغليظ من الثياب، ويأكل أخشن الطعام، فبعث إليه بألف دينار، وقال للرسول:
انظر ماذا يصنع إذا هو أخذها، فما لبث أن لبس ألين الثياب، وأكل أطيب الطعام، فجاء الرسول فأخبره، فقال رحمه الله: تأول هذه الآية لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللَّهُ.
ثم حذر تعالى من عصيانه وتعدي حدوده فيما شرعه، عناية بما مرّ من الأحكام، بقوله سبحانه:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الطلاق (٦٥) : الآيات ٨ الى ٩]