للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ أي يجيركم مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً أي هلاكا أو هزيمة أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً أي مجيرا ولا مغيثا يدفع عنهم الضر قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ أي المثبطين عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وهم المنافقون. قال الشهاب: و (قد) للتحقيق، أو لتقليله باعتبار متعلقه، وبالنسبة لغير معلوماته. انتهى. وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ أي من ساكني المدينة هَلُمَّ إِلَيْنا أي أقبلوا إلى ما نحن فيه من الضلال والثمار وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ أي القتال إِلَّا قَلِيلًا أي إلا إتيانا قليلا. لأنهم يتثبطون ما أمكن لهم أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ أي بخلاء بالمعونة والنفقة والمودة عليكم، أو أضنّاء بكم ظاهرا، إن لم يحضر خوف فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ أي في أحداقهم كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ أي كنظره أو كدورانه فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ أي بالغوا فيكم بالكلام طعنا وذما. فأحرقوكم وآذوكم. وأصل (السلق) بسط العضو ومدة للقهر. كان يدا أو لسانا. ويجوز أن يشبه اللسان بالسيف على طريق الاستعارة المكنية، ويثبت له السلق وهو الضرب تخييلا أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أي على فعله أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً.

القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الأحزاب (٣٣) : الآيات ٢٠ الى ٢١]

يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ ما قاتَلُوا إِلاَّ قَلِيلاً (٢٠) لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً (٢١)

يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا أي لم ينهزموا بما أرسل عليهم من الريح والجنود. وأن لهم عودة إليهم لخورهم واضطرابهم وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ أي مرة أخرى يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ أي فلا يذهبون إلى قتالهم، ولا يستقرّون في المدينة، بل يتمنون أنهم خارجون إلى البدو بين الأعراب، وإن لحقهم عار جبنهم يَسْئَلُونَ أي القادمين عَنْ أَنْبائِكُمْ أي عما جرى لكم. ثم أشار تعالى إلى أنه لا يضر خروجهم عن المدينة، لو أتى الأحزاب، بقوله: وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ أي في حدوث واقعة ثانية ما قاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا أي رياء وخوفا من التعيير لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ أي في أخلاقه وأفعاله قدوة حسنة، إذ كان منها ثباته في الشدائد وهو مطلوب. وصبره على البأساء والضراء وهو مكروب ومحروب. ونفسه في اختلاف الأحوال ساكنة، لا يخور في شديدة ولا يستكين لعظيمة أو كبيرة. وقد لقي بمكة من قريش ما يشيب النواصي، ويهدّ الصياصي. وهو مع الضعف يصابر

<<  <  ج: ص:  >  >>