لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ، إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ اعلم أن الله تعالى لما بين فيما تقدم مراتب الناس في أيام غزوة تبوك، مؤمنهم ومنافقهم، والمنفق لها طوعا أو كرها، والمرغّب فيها أو عنها، والمتخلف نفاقا أو كسلا، وأنبأ عما لحق كلّا من الوعد والوعيد، وميز الصادقين من غيرهم- ختم بفرقة منهم كانوا تخلفوا ميلا للدعة. وهم صادقون في إيمانهم، ثم ندموا فتابوا وأنابوا، وعلم الله صدق توبتهم، فقبلها، ثم أنزل توبتهم في هذه الآية، وصدرها بتوبته على رسوله، وكبار صحبه جبرا لقلوبهم، وتنويها لشأنهم بضمهم مع المقطوع بالرضا عنهم وبعثا للمؤمنين على التوبة، وأنه ما من مؤمن إلا وهو محتاج إلى التوبة والاستغفار، حتى النبيّ والمهاجرين والأنصار، كل على حسبه، وإبانة لفضل التوبة ومقدارها عند الله، وأنها صفة التوابين الأوابين صفة الأنبياء، كما وصفهم بالصالحين، ليظهر فضيلة الصلاح والوصف للمدح، كما يكون لمدح الموصوف، يكون لمدح الصفة، وهذا من لطائف البلاغة، وهو كما قال حسان رضي الله عنه:
ما إن مدحت محمّدا بمقالتي ... لكن مدحت مقالتي بمحمّد
وفي الآية بيان فضل المهاجرين والأنصار.
قال الحاكم: ودلت على فضل عثمان، لأنه جهز جيش العسرة بمال لم يبلغ غيره مبلغه. وقد جمع تعالى بين ذكر نبيه وذكرهم، ووصفهم باتّباعه، فوجب القطع بموالاتهم.
وقوله تعالى: فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ أي في وقتها والساعة تستعمل في معنى الزمان المطلق، كما تستعمل الغداة والعشية واليوم، والعسرة حالهم في غزوة تبوك.
كانوا في عسرة من الظّهر، يعتقب العشرة على بعير واحد، وفي عسرة من الزاد، حتى