وسجدوا، وجعلوا ينظرون إلى ما فوق رؤوسهم، خشية أن يسقط عليهم. كما قال تعالى: وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ ... [الأعراف: ١٧١] الآية، وَقُلْنا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً أي: ادخلوا باب إيلياء مطأطئين، عند الدخول، رؤوسكم. فخالفوا ما أمروا به. وقد تقدم في سورة البقرة إيضاح هذه الآيات مفصلا وَقُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ أي: وصيناهم بحفظ السبت والتزام ما حرم الله عليهم ما دام مشروعا لهم وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً أي: عهدا شديدا. فخالفوا وعصوا وتحيلوا على ارتكاب ما حرم الله عز وجل. كما هو مبسوط في سورة الأعراف عند قوله: وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ ... [الأعراف: ١٦٣] . ثم بين تعالى ما أوجب لعنهم وطردهم ومسخهم من مخالفتهم بقوله:
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ١٥٥]]
فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ (ما) مزيدة للتأكيد، أو نكرة تامة. و (نقضهم) بدل منها. والباء متعلقة بفعل محذوف. أي فبسبب نقضهم ميثاقهم الذي أخذ عليهم، فعلنا بهم ما فعلنا من اللعن والمسخ وغيرهما من العقوبات النازلة عليهم، أو على أعقابهم وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللَّهِ أي: حججه وبراهينه والمعجزات التي شاهدوها على يد الأنبياء عليهم السلام وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ كزكريا ويحيى عليهما السلام.
قال العلامة البقاعيّ: وهو أعظم من مطلق كفرهم. لأن ذلك سدّ لباب الإيمان عنهم وعن غيرهم. لأن الأنبياء سبب الإيمان. ولما كان الأنبياء معصومين من كل نقيصة، ومبرأين من كل دنية، لا يتوجه عليهم حق لا يؤدونه، قال تعالى بِغَيْرِ حَقٍّ أي: كبير ولا صغير أصلا. وهذا الحرف لكونه في سياق طعنهم في القرآن، الذي هو أعظم الآيات، وقع التعبير فيه بأبلغ مما في آل عمران. لأن هذا مع جمع الكثرة. وتنكير الحق، عبر فيه بالمصدر، المفهم لأن الاجتراء على القتل صار لهم خلقا وصفة راسخة. بخلاف ما مضى. فإنه بالمضارع الذي ربما دل على العروض.
ثم ذكر أعظم من ذلك كله وهو إسنادهم عظائمهم إلى الله تعالى فقال وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ جمع (أغلف) أي: هي مغشاة بأغشية جبلّية لا يكاد يصل إليها ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم. كما قال تعالى: وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ ...