وإخبار لهم بأن رحمته واسعة، وأن حلمه عظيم، وأن من تاب إليه تاب عليه. فهؤلاء مع كذبهم وافترائهم وفجورهم وبهتانهم وكفرهم وعنادهم، وقولهم عن الرسول والقرآن ما قالوا، يدعوهم سبحانه إلى التوبة، والإقلاع عما هم فيه، إلى الإسلام والهدى. كما قال تعالى: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ. وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ، وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المائدة: ٧٣- ٧٤] ، وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ [البروج: ١٠] ، قال الحسن البصريّ: انظروا إلى هذا الكرم والجود. قتلوا أولياءه وهو يدعوهم إلى التوبة والرحمة.
ثم أشار تعالى إلى تعنتهم بخصوص المنزل عليه، بقوله:
وَقالُوا مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ أي كما نأكل وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ أي يتردد فيها لشئونه كما نمشي. قال الزمخشري: يعنون أنه كان يجب أن يكون ملكا مستغنيا عن الأكل والتعيش. أي فيخالف حاله حالنا. قال أبو السعود: وهل هو إلا لعمههم وركاكة عقولهم، وقصور أنظارهم على المحسوسات. فإن تميز الرسل عمن عداهم ليس بأمور جسمانية، وإنما هو بأمور نفسانية. كما أشير إليه بقوله تعالى قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ [الكهف: ١١٠] ، ثم نزلوا عن اقتراحهم أن يكون ملكا، إلى اقتراح أن يكون إنسانا معه ملك حتى يتساندا في الإنذار فقالوا لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً ثم نزلوا أيضا إلى اقتراح أن يرفد بكنز، إن لم يرفد بملك، فقالوا: