للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[التنبيه الرابع:]

قال بعض المفسّرين: لا بد من تقييد النهي في هذه الآية (بما لا تدعو إليه حاجة) . لأن الأمر الذي تدعو إليه الحاجة في أمور الدين قد أذن الله بالسؤال عنه فقال: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل: ٤٣] .

وقال صلى الله عليه وسلم «١» : «قاتلهم الله ألّا سألوا إذ لم يعلموا. فإنما شفاء العيّ السؤال ... » انتهى.

ولا يخفى أن الآية بقيدها- أعني إِنْ تُبْدَ.. إلخ- غنية عن أن تقيّد بقيد آخر كما ذكره البعض. لأن المراد بها ما يشق عليهم من التكاليف الصعبة وما يفتضحون به- كما أسلفنا- مما هو خوض في الفضول، وشروع فيما لا حاجة إليه.

وفيه خطر المفسدة. والشيء الذي لا يحتاج إليه ويكون فيه خطر المفسدة، يجب على العاقل الاحتراز عنه.

وأمّا ما تدعو إليه الحاجة فلا تشمله الآية- كما يتضح من نظمها الكريم- مع ما بيّنته السنّة في سبب النزول، وتحرّج الصحابة عن المسائل المارّ بيانه- معلوم أنه فيما لا ضرورة إليها. وإلّا فمسائلهم في الضروريات والحاجيات طفحت بها كتب السنة، مما يبيّن أن هذه الآية في موضوع خاص.

وقد كان صلى الله عليه وسلم يكره فتح باب كثرة المسائل، خشية أن تفضي إلى حرج أو مسادة أو تعنّت..

روى الشيخان «٢» عن المغيرة بن شعبة أنه كتب إلى معاوية: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان


(١)
أخرجه أبو داود في: الطهارة، ١٢٥- باب في المجروح يتيمم، حديث ٣٣٦ ونصه: عن جابر قال: خرجنا في سفر فأصاب رجلا منا حجر فشجّه في رأسه، ثم احتلم، فسأل أصحابه فقال: هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ فقالوا: ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء. فاغتسل فمات.
فلما قدمنا على النبيّ صلى الله عليه وسلم أخبر بذلك. فقال «قتلوه، قتلهم الله. ألا سألوا إذ لم يعلموا؟ فإنما شفاء العيّ السؤال. إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصر (يعصب) على جرحه خرقة ثم يمسح عليها ويغسل سائر جسده»
. (٢)
أخرجه البخاري في: الرقاق، ٢٢- باب ما يكره من قيل وقال، حديث ٥٠٠ ونصه: عن ورّاد كاتب المغيرة بن شعبة، أن معاوية كتب إلى المغيرة أن اكتب إليّ بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال فكتب إليه المغيرة: إني سمعته يقول، عند انصرافه من الصلاة «لا إله إلا الله وحده لا شريك له. له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير» . ثلاث مرات.
قال: وكان ينهى عن قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال، ومنع وهات، وعقوق الأمهات، ووأد البنات.
وأخرجه مسلم في: الأقضية، حديث ١٢ و ١٣ و ١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>