للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرجل «١» : يا صاحب الحوض! هل ترد حوضك السباع؟ قال عمر بن الخطاب:

يا صاحب الحوض! لا تخبرنا. فإن نرد على السباع وترد علينا.

و (سابعها) : أن يظهر من السؤال معارضة الكتاب والسنة بالرأي، ولذلك قال سعيد: أعراقيّ أنت؟ وقيل لمالك بن أنس: الرجل يكون عالما بالسنة أيجادل عنها؟

قال: لا. ولكن يخبر بالسنة. فإن قبلت منه، وإلّا سكت.

و (ثامنها) : السؤال عن المتشابهات، وعلى ذلك يدل قوله تعالى: فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ.. [آل عمران: ٧] الآية. وعن عمر بن عبد العزيز: من جعل دينه غرضا للخصومات أسرع التنقل. ومن ذلك سؤال من سأل مالكا عن الاستواء؟ فقال: الاستواء معلوم، والكيفية مجهول، والسؤال عنه بدعة.

و (تاسعها) : السؤال عما شجر بين السلف الصالح. وقد سئل عمر بن عبد العزيز عن قتال أهل صفّين؟ فقال: تلك دماء كف الله عنها يدي، فلا أحب أن ألطّخ بها لساني.

و (عاشرها) : سؤال التعنت والإفحام وطلب الغلبة في الخصام. وفي القرآن في ذم نحو هذا: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ.. [البقرة: ٢٠٤] وقال: بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ [الزخرف: ٥٨] وفي الحديث «٢» : أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم.

هذه جملة من المواضع التي يكره السؤال فيها، يقاس عليها ما سواها، وليس النهي فيها واحدا، بل فيها ما تشتدّ كراهيته، ومنها ما يخفّ، ومنها ما يحرم، ومنها يكون محلّ اجتهاد. وعلى جملة، منها يقع النهي عن الجدال في الدين كما جاء: إن المراء في القرآن كفر. وقال تعالى: وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ ... [الأنعام: ٦٨] الآية. وأشباه ذلك من الآي والأحاديث ... فالسؤال في مثل ذلك منهيّ عنه، والجواب بحسبه. انتهى كلامه.


(١) أخرجه الإمام مالك في الموطأ في: الطهارة، حديث ١٤ ونصه: عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب أن عمر بن الخطاب خرج في ركب، فيهم عمرو بن العاص. حتى وردوا حوضا. فقال عمرو ابن العاص: يا صاحب الحوض! هل ترد حوضك السباع؟ فقال عمر بن الخطاب: يا صاحب الحوض! لا تخبرنا. فإنا نرد على السباع وترد علينا.
(٢) أخرجه البخاري في: التفسير، ٢- سورة البقرة، ٣٧- باب وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ، حديث ١٢١١ عن عائشة.

<<  <  ج: ص:  >  >>