للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الثعالبيّ: وقد جاء في تفسير أشهر الحجّ وعشر ذي الحجّة- وفي بعضها تسع- فمن عبر بالتسع أراد الأيام، ومن عبر بالعشر أراد الليالي

ولقوله صلّى الله عليه وسلّم: الحجّ عرفة

. وقد تبينت أنه يفوت الوقوف بطلوع الفجر.

وقوله: مَعْلُوماتٌ أي: قبل نزول الشرع عند الناس، لا يشكلن عليهم. وآذن هذا أنّ الأمر بعد الشرع على ما كان عليه فَمَنْ فَرَضَ أي: أوجب على نفسه فِيهِنَّ الْحَجَّ بإحرامه فَلا رَفَثَ أي: خروج عن حدود الشريعة بارتكاب محظورات الإحرام وغيرها كالسباب والتنابز بالألقاب، وَلا جِدالَ أي: مماراة أحد من الرفقة والخدم والمكارين فِي الْحَجِّ أي: في أيامه، بل ينبغي أن يوجد فيها كلّ خير من خيرات الحجّ. والإظهار في مقام الإضمار لإظهار كمال الاعتناء بشأنه، والإشعار بعلة الحكم فإنّ زيارة البيت المعظم، والتقرب بها إلى الله عزّ وجلّ، من موجبات ترك الأمور المذكورة، وإيثار النفي للمبالغة في النهي والدلالة على أنّ ذلك حقيق بأن لا يكون، فإنّ ما كان منكرا مستقبحا في نفسه، ففي تضاعيف الحجّ أقبح، كليس الحرير في الصلاة.

[لطيفة:]

قال بعضهم: النكتة في منع هذه الأشياء على أنها آداب لسانية: تعظيم شأن الحرم، وتغليظ أمر الإثم فيه، إذ الأعمال تختلف باختلاف الزمان والمكان، فللملأ آداب غير آداب الخلوة مع الأهل. ويقال في مجلس الإخوان ما لا يقال في مجلس السلطان. ويجب أن يكون المرء في أوقات العبادة والحضور مع الله تعالى على أكمل الآداب، وأفضل الأحوال، وناهيك بالحضور في البيت الذي نسبه الله سبحانه إليه..! وأما السرّ فيها على أنها محرمات الإحرام، فهو أن يتمثل الحاج أنّه بزيارته لبيت الله تعالى مقبل على الله تعالى، قاصد له. فيتجرّد عن عاداته ونعيمه، وينسلخ من مفاخره ومميزاته على غيره، بحيث يساوي الغنيّ الفقير، ويماثل الصعلوك الأمير، فيكون الناس من جميع الطبقات في زيّ كزيّ الأموات، وفي ذلك- من تصفية النفس، وتهذيبها، وإشعارها بحقيقة العبودية لله، والأخوّة للناس- ما لا يقدر قدره، وإن كان لا يخفى أمره..!.

وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ حث على الخير عقيب النهي عن الشرّ، وأن يستعملوا مكان القبيح من الكلام الحسن، ومكان الفسوق البرّ والتقوى، ومكان

<<  <  ج: ص:  >  >>