يقول المرء (إني مؤمن) بمعنى مصدق. كيف؟ وهو يقول (قل آمنت بالله ورسله) أي صدقت. وأما من قال فقل إنك في الجنة، فالجواب أننا نقول: إن متنا على ما نحن عليه الآن، فلا بد لنا من الجنة بلا شك. وبرهان ذلك أنه قد صح من نصوص القرآن والسنة والإجماع، أن من آمن بالله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم وبكل ما جاء به، ولم يأت بما هو كفر، فإنه في الجنة. إلا أننا لا ندري ما يفعل بنا في الدنيا، ولا نأمن من مكر الله تعالى. ولا إضلاله، ولا كيد الشيطان، ولا ندري ماذا نكسب غدا. ونعوذ بالله من الخذلان. انتهى.
وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ أي لكون الأولى من مقام العقل تجرّ صاحبها إلى الجنة ومصاحبة الملائكة. والثانية من مقام النفس تجر صاحبها إلى النار ومقارنة الشياطين ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ أي ادفع السيئة حيث اعترضتك، بالتي هي أحسن منها، وهي الحسنة. على أن المراد بالأحسن الزائد مطلقا. أو بأحسن ما يمكن دفعها به من الحسنات. وإنما عدل من مقتضى الظاهر وهو (ادفع بالحسنة) إلى الأبلغ- لأن من دفع بالأحسن هان عليه الدفع بما دونه. وهذا الكلام أبلغ في الحمل والحث على ما ذكر. لأنه يومئ إلى أنه مهم ينبغي الاعتناء به والسؤال عنه.
قال القاشاني: أي إذا أمكنك دفع السيئة من عدوك بالحسنة، التي هي أحسن، فلا تدفعها بالحسنة التي دونها، فكيف بالسيئة؟ فإن السيئة لا تندفع بالسيئة، بل تزيد وتعلو ارتفاع النار بالحطب. فإن قابلتها بمثلها كنت منحطا إلى مقام النفس، متبعا للشيطان، سالكا طريق النار، ملقيا لصاحبك في الأوزار، وجاعلا له ولنفسك من جملة الأشرار، متسببا لازدياد الشر، معرضا عن الخير. وإن دفعتها بالحسنة، سكّنت شرارته، وأزلت عداوته، وتثبت في مقام القلب على الخير، وهديت إلى الجنة وطردت الشيطان وأرضيت الرحمن، وانخرطت في سلك الملكوت، ومحوت ذنب صاحبك بالندامة، ثم أشار تعالى إلى علة الأمر وثمرته بقوله: فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ أي صديق أو قريب حَمِيمٌ أي شديد الولاء. وأصل الحميم الماء الشديدة حرارته. كنى به عن الولي المخلص في وده، لما يجد في نفسه من حرارة الحب والشوق والاهتمام نحو مواليه.