ترتيب أحسن ولا أكمل من ترتيب آيات القرآن، أفاده الرازي.
الثالثة- يدخل في الآية كل من دعا إلى الله بطريق من الطرق المشروعة، وسبيل من السبل المأثورة. لأن الدعوة الصحيحة هي الدعوة النبوية. ثم ما انتهج منهجها في الصدع بالحق، وإيثاره على الخلق.
الرابعة- في الآية دليل على وجب الدعوة إلى الله تعالى- على ما قرره الرازي- لأن الدعوة إلى الله أحسن الأعمال. وكل ما كان أحسن الأعمال، فهو واجب.
الخامسة- احتج من جوز قول (أنا مسلم) بدون تعليق على المشيئة بهذه الآية. وقال: إطلاقها يدل على أن ذلك هو الأولى. والمسألة معروفة بسطها الغزالي في (الإحياء) .
وللإمام ابن حزم في (الفصل) تحقيق لطيف لا بأس بإيراده. قال رحمه الله:
اختلف الناس في قول المسلم (أنا مؤمن) فروينا عن ابن مسعود وجماعة من أصحابه الأفاضل ومن بعده من الفقهاء، أنه كره ذلك. وكان يقول (أنا مؤمن إن شاء الله) وقال بعضهم: آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله. وكانوا يقولون: من قال أنا مؤمن، فليقل إنه من أهل الجنة.
ثم قال ابن حزم: والقول عندنا في هذه المسألة، أن هذه صفة يعلمها المرء من نفسه. فإن كان يدري أنه مصدق بالله عزّ وجلّ، وبمحمد صلّى الله عليه وسلّم وبكل ما أتى به عليه السلام. وأنه يقر بلسانه بكل ذلك، فواجب عليه أن يعترف بذلك. كما أمر تعالى، إذا قال تعالى: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ولا نعمة أوكد، ولا أفضل ولا أولى بالشكر، من نعمة الإسلام. فواجب عليه أن يقول (أنا مسلم قطعا عند الله تعالى، وفي وقتي هذا) ولا فرق بين قوله (أنا مؤمن مسلم) وبين قوله (أنا أسود وأنا أبيض) . وهكذا سائر صفاته التي لا يشك فيها. وليس هذا من باب الامتداح والتعجب في شيء. لأنه فرض عليه أن يحصن دمه بشهادة التوحيد. قال تعالى: قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [البقرة: ١٣٦] ، وقول ابن مسعود عندنا صحيح. لأن الإسلام والإيمان اسمان منقولان عن موضوعهما في اللغة، إلى جميع البر والطاعات. فإنما منع ابن مسعود من القول بأنه (مسلم مؤمن) على معنى أنه مستوف لجميع الطاعات. وهذا صحيح. ومن ادعى لنفسه هذا فقد كذب بلا شك. وما منع رضي الله عنه من أن