للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[لطيفة:]

إن قلت: قد أسند تعالى هنا التزيين إلى الشيطان، وأسنده إلى نفسه في قوله:

كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ [الأنعام: ١٠٨] . فهل هو حقيقة فيهما. أو في أحدهما؟ قلت: وقع التزيين في مواقع كثيرة: فتارة أسنده إلى الشيطان، كالآية الأولى، وتارة إلى نفسه كالثانية، وتارة إلى البشر كقوله زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ [الأنعام: ١٣٧] . - في قراءة- وتارة مجهولا غير مذكور فاعله كقوله زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ [يونس: ١٢] ، لأن التزيين له معان يشهد بها الاستعمال واللغة: أحدها: إيجاد الشيء حسنا مزينا في نفس الأمر، كقوله تعالى: زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا، والثاني: جعله مزينا من غير إيجاد، كتزيين الماشطة العروس، والثالث: جعله محبوبا للنفس، مشتهى للطبع، وإن لم يكن في نفسه كذلك. فهذا إن كان بمعنى خلق الميل في النفس والطبع لا يسند إلا إلى الله، لأنه الفاعل له حقيقة، لإيجاده له، ولغة ونحوا لاتصافه بخلقه. وإن كان بمجرد تزويره وترويجه بالقول وما يشبهه، كالوسوسة والإغواء، فهذا لا يسند إليه تعالى حقيقة، وإنما يسند إلى البشر أو الشيطان، وإذا لم يذكر فاعله، يقدّر في كل مكان ما يليق به- كذا في (العناية) -.

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الأنعام (٦) : آية ٤٤]]

فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ (٤٤)

فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ أي: من البأساء والضراء، أي تركوا الاتعاظ به فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ أي: من النعم، كالصحة والسعة وراحة البال والأمن، وصنوف رغائبهم، استدراجا وإملاء ومكرا بهم، عياذا بالله من مكره، حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا من مطالبهم ورغائبهم، مع الشرك أَخَذْناهُمْ أي: بالعذاب المستأصل، بَغْتَةً أي: فجأة بلا تقديم مذكّر، إذ لم يفدهم في المرة الأولى، فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ متحسرون، يئسون من كل خير.

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الأنعام (٦) : آية ٤٥]]

فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٤٥)

فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أي: آخرهم. كناية عن الاستئصال، لأن ذهاب

<<  <  ج: ص:  >  >>