وَهُوَ الَّذِي أَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ أي جحود للنعم، بعبادة غير بارئها. أو إشراكه معه، مع أنه هو الخالق لكل ذلك، والقادر عليه، وغيره لا يملك شيئا.
لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا أي وضعنا مَنْسَكاً أي شريعة ومتعبدا هُمْ ناسِكُوهُ فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ أي في ذلك الجعل والوضع والحوار في تنوعه في كل أمة، وعدم وحدته، أو في أمر ما جئتهم به، زعما بأنه يستغني عنه بما شرع قبله. لأنه جهل بحكمته تعالى في تكوين الأمم وتربيتها بالشرائع المناسبة لزمنها ومكانها، وحياتها ومنشئها. ولذلك كانت هذه الشريعة أهدى الشرائع للامتنان بها، حينما بلغ الإنسان أعلى طور الرشد ولذلك وجبت الدعوة إليها خاصة كما قال سبحانه وَادْعُ إِلى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ أي اثبت على دينك ثباتا لا يطمعون أن يخدعوك عنه. أو معناه: ثابر على الدعوة إلى ما أمرت به. فلا تضرك منازعتهم. وعلى الكل اتباعك وعدم مخالفتك، لاستقرار الأمر على شرعتك. لأنها الطريق القويم.
هذا، وقال ابن جرير: أصل المنسك في كلام العرب، الموضع المعتاد الذي يعتاده الرجل ويألفه، لخير أو شر. يقال (إن لفلان منسكا يعتاده) يراد مكانا يغشاه ويألفه لخير أو شر. وقد اختلف أهل التأويل في معنى (النسك) هنا، فقيل: عيدا.
وقيل: إراقة الدم (ثم استظهر) أن المعنى إراقة الدم أيام النحر بمنى. لأن المناسك التي كان المشركون جادلوا فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانت إراقة الدم في هذه الأيام، أي فلا ينازعك هؤلاء المشركون في ذبحك ومنسكك بقولهم (أتأكلون ما قتلتم، ولا تأكلون الميتة التي قتلها الله) ؟ انتهى.
وعليه، فيكون المراد بالجعل في قوله تعالى جَعَلْنا الجعل القدريّ لا التشريعيّ. كما قال: لِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها