للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالهدى. وتنكيره للتفخيم. ونعته بقوله مِنْ عِنْدِ اللَّهِ للتشريف مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ من التوراة. وجواب «لما» محذوف دل عليه جواب «لما» الثانية. وعليه، فقوله تعالى: وَكانُوا إلخ.. جملة معطوفة على الشرطية، عطف القصة على القصة. وقيل: جوابها كفروا. ولمّا الثانية تكرار للأولى، فلا تحتاج إلى جواب.

وقيل: كفروا جواب للأولى والثانية لأن مقتضاهما واحد. وعلى الوجهين فجملة قوله وَكانُوا مِنْ قَبْلُ أي قبل مجيئه يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا جملة حالية مفيدة لكمال مكابرتهم وعنادهم. والاستفتاح: الاستنصار أي طلب النصر، أي يطلبون من الله النصر على المشركين لما أنهم كانوا مستذلين في جزيرة العرب، ولذا كانوا يحالفون بعض القبائل تعزّزا بهم على ما تقدم فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا صحته وصدقه. كان من حقهم أن يسارعوا إلى الإيمان به لظفرهم بأمنيتهم حينئذ، وهو انتصارهم على المشركين وحصول العزة لهم مع المؤمنين. ولكن كَفَرُوا بِهِ أي امتنعوا من الإيمان به خوفا من زوال رئاستهم وأموالهم. وأصرّوا على الإنكار مع علمهم بحقيقة نبوته. ولذا قال عبد الله بن سلام في قصة إسلامه «١» : يا معشر اليهود اتقوا الله. فو الله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أنه رسول الله وأنه جاء بحق. رواه البخاريّ في الهجرة. وروى أيضا أن عبد الله بن سلام لما بلغه مقدم النبي صلّى الله عليه وسلّم أتاه فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبيّ. فلما أجابه عنها قال: أشهد أنك رسول الله. وسنذكر الحديث بتمامه عند قوله تعالى مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ [البقرة: ٩٧] الآية إن شاء الله تعالى. وقوله فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ اللام فيه للعهد أي عليهم، ووضع المظهر موضع المضمر للإشعار بأن حلول اللعنة عليهم بسبب كفرهم، كما أن الفاء للإيذان بترتبها عليه. أو للجنس وهم داخلون في الحكم دخولا أوليّا. إذ الكلام فيهم. وأيّا ما كان فهو محقق لمضمون قوله تعالى:

بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ.

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة البقرة (٢) : آية ٩٠]]

بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ (٩٠)

بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ «ما» نكرة موصوفة بما بعدها، منصوبة على التمييز، مفسرة لفاعل بئس. أي بئس شيئا باعوا به أنفسهم واعتاضوا لها، فرضوا به


(١) أخرجه البخاريّ في: التفسير، سورة البقرة، ٦ باب قوله: مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>